ثلاث سنوات كانت كافية لقلب الأدوار. في عام 2003، خدعت الإدارة الأميركية الكونغرس الذي صدّق مسرحيتها بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية. في عام 2006، بات الكونعرس نفسه مشاركاً في عملية الخداع والتضليل، لكن هذه المرة بشأن البرنامج النووي الايراني، وهذه المرة كان هو المخادع والمضلل، وذلك عبر «تزوير» تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.في هذا الوقت، أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ليل الاربعاء ــ الخميس أن بلاده مستعدة «لشروط جديدة» لتسوية النزاع مع القوى الغربية، معرباً عن اعتقاده أن المحادثات يمكن أن تؤدي إلى اتفاق. وقال نجاد، خلال مؤتمر صحافي في دكار: «لا أعتقد أنه ستكون هناك عقوبات لأنه لا سبب للعقوبات. سيكون من الأفضل للمسؤولين الاميركيين ألا يتحدثوا بغضب».
فقد احتجّت وكالة الطاقة بشدة امس، على نشر لجنة في الكونغرس الاميركي معلومات خاطئة عن البرنامج النووي الايراني. وجاء في رسالة للوكالة أن التقرير الصادر عن لجنة الاستخبارات الدائمة في مجلس النواب بتاريخ 23 آب الماضي، والذي قدّم ايران على انها تمثّل تهديداً استراتيجياً، «يتضمن معلومات خاطئة ومضللة ولا تستند الى أي أساس».
وذكرت وكالة الطاقة أن التقرير يقول إن ايران «قامت بتخصيب اليورانيوم من النوع العسكري»، فيما خلصت عمليات التفتيش التي نفّذتها هذه «الهيئة النووية» التابعة للامم المتحدة، الى أن طهران قامت بالتخصيب بنسبة 3.6 في المئة، وهي اقل بكثير من نسبة 90 في المئة المطلوبة لصنع اسلحة ذرية.
وتضمنت الرسالة، التي وقعها مدير العلاقات الخارجية في الوكالة فيلموس سيرفني، احتجاجاً «شديداً أيضاً على التأكيد غير الصحيح والمضلل الذي يفيد بأن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي قرر نقل عمل (البلجيكي كريس) شارلييه»، وهو مفتش مهم في الوكالة، لأنه «لم يحترم قاعدة غير خطية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمنع قول كل الحقيقة بشأن البرنامج النووي الايراني».
وأفادت المتحدثة باسم الوكالة ميليسا فليمنغ، أن الوكالة وجّهت هذه الرسالة الى مجلس النواب الأميركي «بهدف تصحيح الامور في ما يتعلق بهذه الوقائع ولا سيما أن هذه القضية تتعلق بنزاهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وأضافت: «كان يجب الرد».
وبحسب ديبلوماسي غربي، فإن هذه المعلومات الخاطئة «تعطي انطباعاً سبق أن سجل بالنسبة إلى العراق». كما أفاد ديبلوماسي قريب من وكالة الطاقة، بأن تقرير اللجنة الاميركية يمثّل «تجربة من المتشددين لنسف موقف (وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا) رايس الراغبة في تجنب المواجهة والساعية الى العمل مع الاوروبيين لإيجاد حل تفاوضي» للملف الايراني.
وقال مسؤولون في الوكالة لــ «فرانس برس»، إن لإيران الحق في طلب تغيير المفتشين وعلى الوكالة أن تنصاع لمثل هذه المطالب.
وربطت واشنطن مجدّداً امس اجراء مباحثات مع ايران بتعليق طهران تخصيب اليورانيوم مسبقاً. وقال المتحدث باسم البيت الابيض طوني سنو «لا يمكن أن نكون اوضح بشأن هذا الامر: اوقفوا انشطة تخصيب اليورانيوم وتدويره وسنتحدث».
وحثّت إيران الدول المعنية، امس، على الاستجابة لدعوتها الى إجراء محادثات، من دون شروط مسبقة، في شأن أنشطتها النووية، منددة بتدخل مجلس الأمن بوصفه قائماً على «دوافع سياسية سخيفة».
وقال مندوب إيران في الوكالة الدولية للطاقة علي أصغر سلطانية، امام مجلس محافظي الوكالة امس، إن إيران لديها رغبة صادقة في التوصل الى حل عن طريق التفاوض، لكن واشنطن «تحاول تقويض مناخ إجراء محادثات بنيّات طيبة». ودعا مجلس الأمن الى إعادة الملف الى وكالة الطاقة وحثّ القوى الدولية الكبرى على «بدء المفاوضات بدون أي شروط مسبقة او مزيد من التأجيل».
من ناحية أخرى، دعا المتحدث الجديد باسم وزارة الخارجية الايرانية محمد علي حسيني الولايات المتحدة امس الى «التروّي» وعدم «تسميم» المفاوضات الجارية حالياً بإطلاق التهديدات.
وقال وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي، في مقابلة اجريت معه وبثت امس، إن ايران «تعوّل على حدوث انقسام في المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي حتى تتمكن من مواصلة نشاطاتها الحساسة».
وكشف الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي اندرز جونسون في جنيف امس، أن الاتحاد يسعى لإجراء محادثات «بناء ثقة» بين ايران والولايات المتحدة، تحت رعايته.
وكان هذا الاتحاد، الذي يتألف من 146 برلماناً، قد أرسل بعثة الى طهران، نهاية الاسبوع الماضي، حيث ابلغها الايرانيون نيتهم «التوصل الى حل تفاوضي» حيال الملف النووي، مشيرين الى أن المشكلة الاساسة تكمن في «غياب الثقة». كما اعلن جونسون أن الاميركيين «ابدوا اهتماماً كبيراً» بإجراء محادثات من هذا القبيل، من دون اعطاء المزيد من التفاصيل.
وحذّر رئيس الوزراء الصيني ون جياباو، في مؤتمر صحافي الى جانب المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في برلين امس، من أن فرض عقوبات على ايران يمكن أن «يؤدي الى نتائج بعكس» تلك المتوقعة.
(أ ف ب، أ ب، رويترز، يو بي آي)