باريس ــ بسّام الطيارة
عاد وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي من زيارته إلى الولايات المتحدة، التي أثارت، ولا تزال، موجات استنكار من المعارضة ومن الأكثرية على حد سواء، ليحتل واجهة الحدث الداخلي من خلال مناقشة قوانين الشرطة الجديدة وقوانين مكافحة الجريمة والإرهاب.
وكانت زيارة الوزير اليميني إلى نيويورك قد تمت تحت عنوانين: الأول بصفته ممثلاً للحكومة الفرنسية في الاحتفال السنوي لذكرى ١١ أيلول، والثاني بصفته مرشحاً للانتخابات الرئاسية. وقد اتهمه الحزب الاشتراكي باستعمال «أموال الخزينة ودافعي الضرائب» للقيام بزيارة إعلامية ضمن حملته الانتخابية. ولم يدافع عنه الرئيس الفرنسي جاك شيراك بصراحة عندما سئل عن الموضوع، بل اكتفى بالقول: «بما أنه كان متوجهاً إلى هناك فقد كلفناه تمثيل فرنسا في الاحتفالولا تقتصر الانتقادات على ظروف الزيارة والاستعمال الانتخابي للعامل العاطفي الذي رافق الاحتفال وغطّته معظم وسائل الإعلام، بل شملت «الموقف السياسي» الذي حمله ساركوزي معه والذي يتناقض، كما هو حال تصريحاته السابقة عن حزب الله ولبنان، مع السياسة الفرنسية الرسمية.
وتناقلت الصحافة الفرنسية تفاصيل زياراته والشخصيات التي التقاها والتي تبين البعد الانتخابي الداخلي الذي أراد المرشح اليميني التشديد عليه؛ فقد قال مبرراً زيارته إن «القضايا الكبرى في العالم لها انعكاسات على مسألة الإرهاب وسلامة الفرنسيين»، وأضاف: «والتباحث في هذه القضايا يتم هنا» في نيويورك.
والتقى ساركوزي وفداً من الجمعيات اليهودية وتباحث معها في سبل محاربة اللاسامية قبل أن ينتقل للقاء الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وقد شكل لقاؤه مع الرئيس الأميركي جورج بوش النقطة الارتكازية في عملية التواصل الانتخابية التي يتهمه بها خصومه.
ويصف المعلقون الزيارة والخطاب المتشدد والقريب من الخطاب السياسي الأميركي بأنه «من أول معالم القطيعة» التي وعد بها المرشح اليميني في برنامجه الانتخابي؛ فالسياسة الفرنسية الخارجية على اختلاف الرؤساء الذين حكموا البلاد حافظت على توازن بين انتماء فرنسا للديموقراطيات الغربية وعدم انجرارها وراء التصلب الأميركي، وخصوصاً في السنوات العشرين الأخيرة وبشكل مميّز منذ الحرب على العراق خارج إطار الأمم المتحدة.
ويرى البعض أن محاولة ساركوزي «الملقب برجل أميركا» لباس ثوب «طوني بلير الحليف الأوروبي الأول» لأميركا في فترة ما قبل الانتخابات الفرنسية، هي مغامرة غير محسوبة النتائج، فمعظم استطلاعات الرأي أبرزت اختلافات في آراء الفرنسيين في أمور شتى تظهر أن أكثرية لا بأس بها من الرأي العام الفرنسي يختلف مع توجهات السياسة الخارجية الأميركية. وبالنسبة للفرنسيين فإن السياسة الخارجية وصورة فرنسا في الخارج لها أهمية مركزية في مواقفهم من السياسية العامة.