strong>لم يكن بابا روما موفّقاً في انتقاء عباراته، غير المسبوقة على مستوى الحاضرة البابوية، عن الاسلام وعلاقته بالعقل والعنف، فلم تشفع له محاولة التهرب نحو «الاقتباس» من تهمة تبنّي مقولات فلسفية جرت خلال القرن الرابع عشر، لكنها لا تزال تمثّل مصدر تفجر لصراع حضاري لا يخدم الاسلام ولا المسيحية
لليوم الثاني على التوالي، تصاعدت حدة الاحتجاجات في العالم على ما صرح به البابا بنديكتوس السادس عشر، عن الاسلام والنبي محمد، وكانت خطب الجمعة امس مناسبة لإطلاق المواقف والانتقادات التي دعت الى طرد سفراء الفاتيكان وطالبت «الحبر الأعظم» بالاعتذار، فيما تحولت بعض الاحتجاجات الى تظاهرات شعبية غاضبة في بعض البلدان الاسلامية، وذلك في وقت عبّر فيه الخبراء في العالم العربي والاسلامي عن خشيتهم من أن تثير هذه التصريحات أحداثاً شبيهة بالتظاهرات العنيفة التي اعقبت نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد في الدنمارك والنروج.
ففي سوريا، بعث مفتي الجمهورية احمد بدر الدين حسون برسالة الى البابا يطلب فيها «إيضاح» ما نسب اليه من «كلام يثير إشكالات فكرية وثقافية ودينية بين أتباع الشرائع السماوية» بينما رأى المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة علي صدر الدين البيانوني، أن هذه التصريحات مستغربة ومستنكرة.
ودان الأردن وإسلاميوه، أمس تصريحات البابا، وعدّها وزير الأوقاف عبد الفتاح صلاح «مسيئة للغاية ومرفوضة»، فيما طالب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في تصريح إلى «الأخبار» المسيحيين في العالم العربي بالوقوف بحزم تجاه هذه التصريحات التي وصفها بـ «المدانة والمستنكرة ولا تنسجم مع طبيعة الإٍسلام».
وأعرب وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، عن خشيته من أن تؤدي هذه التصريحات إلى تأجيج دعاوى الصدام بين الحضارات. ووصف وكيل الأزهر الشيخ عمر الديب هذه التصريحات بأنها «متعصبة ومتشددة»، فيما تظاهر مئات من المصريين الغاضبين عقب صلاة الجمعة في الجامع الأزهر وطالبوا بابا الفاتيكان بتقديم اعتذار رسمي.
وانهمك السفير البابوي في مصر المطران مايكل فيتزجيرالد، في محاولة لاحتواء هذه الأزمة بلقاء مع مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة.
وفي القاهرة أيضاً، رأى رئيس الطائفة الإنجيلية صفوت البياضي، أن تصريحات البابا تزعزع الأمن والسلام العالمي وتشعل نيران الفتنة، فيما أعلن رئيس الطائفة الكاثوليكية والمتحدث الرسمي باسم الفاتيكان رفيق جريش، أن البابا لم يكن يقصد الإساءة للإسلام لكنه كان يستشهد بواقعة وردت فى كتاب خلال حصار قوات إسلامية للدولة البيزنطية.. في وقت لاحظ فيه نائب البطريرك الكاثوليكي في مصر الدكتور يوحنا قلتة، أن هذه التصريحات فاجأت المسيحيين الكاثوليك في المشرق العربي قبل أن تفاجئ المسلمين في شتى أنحاء العالم.
من جهته، طالب رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية البابا «بالتوقف عن المس» بالديانة الاسلامية، وسارت في غزة تظاهرة من الفي شخص احتجاجاً.
اما هيئة علماء المسلمين في العراق، فقد رأت في «الخطاب تحريضاً على الإرهاب بحقهم من مؤسسة دينية عالمية تعلن دائماً أنها تدعم السلام»، كما دان أحد مساعدي الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الشيخ صالح العبيدي «الإساءة للإسلام ولشخص الرسول».
ورأى بيان صدر عن الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، أن «مجرد التوضيح الصادر عن الفاتيكان لا يكفي».
وفي قطر، قال الداعية الاسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، إن الاسلام هو دين السلام والعقل.
واستنكرت المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الاسيسكو) التصريحات وطالبته بالاعتذار لجميع المسلمين وللدين الاسلامي.
وفي طهران، قال خطيب الجمعة احمد خاتمي، انها تنمّ عن «خفّة عقل»، وحذّر من ان المسلمين سيردّون.
ورأت اللجنة الوطنية للأقليات في الهند، أنها تشبه الدعوة التي اطلقت الى «الحملات الصليبية في القرون الوسطى». وشهد إقليم جامو وكشمير التابع للسيطرة الهندية، تظاهرة نسائية للتنديد بالتصريحات، فيما احرق محتجون في مدينة فاراناسي في ولاية اوتار براديش دمية تمثل البابا.
وفي اسلام آباد، أقرّ مجلس النواب الباكستاني بالإجماع قراراً يدين تصريحات البابا.
اما في العاصمة التركية انقرة، التي من المقرر ان يزورها البابا في تشرين الثاني المقبل، فقد أكّد نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية صالح كابوسوز، أن «البابا الذي تفوّه بهذه العبارات المؤسفة دخل التاريخ لكن في زمرة هتلر وموسوليني».
وفي اوروبا، قال الامين العام لاتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا فؤاد علاوي: «ينبغي للبابا ان يصحح اقواله»، اما الامين العام لمجلس المسلمين في بريطانيا محمد عبد الباري، والناطقة باسم مسلمي النمسا كارلا امينة بغجاتي، فتمنّيا أن «يوضح البابا موقفه من دون تأخير»، بينما قال رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مازيك، إنه يجد من الصعب للغاية تصديق أن البابا يرى فارقاً بين الإسلام والمسيحية بشأن موقفهما من العنف.
في المقابل، اعلن وزير خارجية الفاتيكان الجديد المونسنيور دومينيك مامبرتي امس، أن الحوار بين الديانات «مسألة أساسية».
وكان البابا بنديكتوس السادس عشر قد تطرق الثلاثاء الماضي، خلال محاضرة في جامعة ريغينسبورغ في جنوب المانيا، إلى العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الاسلامية، واستشهد بهذه المناسبة بكتاب للامبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350 ــ 1425). الجملة الحاسمة في هذه المحاججة ضد نشر الدين بالعنف هي: «العمل بشكل مناف للعقل مخالف لطبيعة الله».
من جهة ثانية، تسلم الكاردينال تراسيسيو بيرتوني، 71 عاماً، أمانة حاضرة الفاتيكان من الكاردينال أنجيلو سودانو، 79 عاماً، وبذلك أصبح بيرتوني ثاني شخصية في هيكلية الفاتيكان بعد البابا، وسيكون مسؤولاً عن جميع النشاطات السياسية والديبلوماسية.
(الأخبار، يو بي آي، رويترز، ا ف ب)