strong>فيديل كاسترو رئيساً للحركة وشقيقه يطالب بالتصدي لـ «التفرد» الأميركي
بول الأشقر

افتتحت أمس القمة الرابعة عشرة لحركة دول عدم الانحياز في هافانا، قبل أيام قليلة من انعقاد الجمعية العامة السنوية لمنظمة الأمم المتحدة. وتشارك الدول “غير المنحازة” الـ116، إضافة إلى 35 دولة تحمل صفة المراقب، في هذا اللقاء بوصفه إطاراً تحضيرياً للجمعية العامة، وأيضاً فسحة محررة من هيمنة الولايات المتحدة على منظمة الأمم المتحدة، أو لنقل على قراراتها.
فإيران مثلاً تأتي لتعرض برنامجها النووي بعيداً عن الضغوط التي ترافق مناقشة هذه القضية في إطار مجلس الأمن، ومن المرجح أن تخرج من القمة مسلحة بفقرة تؤكد حق جميع الدول في تطوير برنامجها النووي لـ “أغراض سلمية”. كما تراهن فنزويلا على هذه القمة لتعميق الدعم لترشحها على مقعد في مجلس الأمن.
ودعا الرئيس الكوبي بالوكالة راوول كاسترو، في افتتاح القمة، حركة عدم الانحياز التي تضم «ثلثي الدول الأعضاء في مجلس الأمن» إلى التصدي لسياسة التفرد التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وقال: «ينبغي لحركة عدم الانحياز أن تخوض من الآن فصاعداً معارك بطولية في مواجهة التفرد، وسياسات الكيل بمكيالين وقدرة الأقوياء على الإفلات من أي عقاب».
وانتقد راوول في خطابه الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن «الواقع الدولي الحالي مطبوع بالأطماع غير العقلانية للقوة العظمى الوحيدة للسيطرة على العالم، بالتواطؤ مع حلفائها». كما انتقد إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، مديناً «تصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني لكسر إرادة المقاومة وحرمانه أبسط وسائل العيش وقتل العديد من أطفاله». وأضاف: «نعلم كلنا من يدعم إسرائيل عسكرياً واقتصادياً» في إشارة غلى واشنطن.
وفي حين دعا راوول إلى «نزع تسلح شامل وكامل، بما في ذلك على الصعيد النووي»، طالب دول عدم الانحياز بالدفاع عن «حق بلداننا بالاستعمال السلمي للطاقة النووية». ورأى انه ينبغي رفض «النظرية الأميركية الخطرة المتعلقة بالاستعمال الوقائي للسلاح النووي، بما في ذلك ضد الدول التي لا تمتلك السلاح النووي أو المجموعات المتهمة بالتورط بارتكاب أعمال غرهابية». وتابع: «علينا أن ندين نفاق حكومة الولايات المتحدة التي توجه تهديدات لإيران تهدف إلى منعها من الاستعمال السلمي للطاقة النووية، فيما تدعم جهود إسرائيل لتوسيع ترسانتها النووية».
وقال راوول إن سياسة واشنطن تجعل من خطر احتمال اندلاع «حروب عدوانية وحروب توسعية إمبريالية» أقوى اليوم من أي وقت مضى. وأقر بأن الحركة كادت ان تصل إلى حافة الزوال في التسعينيات «بعد سقوط النظام العالمي الذي كان مبنياً على قطبين» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ومع نهاية الحرب الباردة.
وانتخب الرئيس الكوبي فيدل كاسترو برفع الأيدي رئيساً لحركة دول عدم الانحياز، التي تغيب عنها بسبب تماثله للشفاء من عملية جراحية.
وأعلن رئيس الوزراء الماليزي عبد الله بدوي انتقال رئاسة الحركة من بلاده لكوبا لثلاث سنوات،وهو ما أثار تصفيق رؤساء الدول والحكومات الـ 55 المشاركين.
وتجري هذه القمة في عالم اختلف جذرياً عن ذاك الذي جعل قادة مثل نهرو وتيتو وسوكارنو وعبد الناصر ونكروما وغيرهم يؤسسون قبل 45 عاماً حركة عدم الانحياز في محاولة لضمان موقعها بين قطبي العالم آنذاك. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي وكتلته، فضلاً عن وفاة المؤسسين، أخذت حركة عدم الانحياز تفقد تدريجاً موقعها الوسطي ومبرر وجودها. في عالم أحادي القطب، تضخم عجز الحركة التي صارت ملجأ لجميع الدول المعترضة على واقع العلاقات الدولية، وبالتالي على هيمنة الولايات المتحدة عليها، إضافة إلى مقر لبعض حلفائها أمثال باكستان والسعودية وغيرها.
لذلك، وعلى سبيل المثال بالنسبة إلى قضايا الأجندة العربية، من المرجح أن يتضمن البيان الختامي مواقف “ملتزمة” في قضايا مثل فلسطين ولبنان و“معتدلة” في ملفات مثل أفغانستان أو العراق.
هذه حدود القاسم المشترك السياسي بينها. وكان من الممكن أن يكون المشترك أوسع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن هذه الفسحة ملئت خلال العقد الأخير بتجمعات مثل “جي ــ 20” التي اجتمعت قبل عشرة أيام، أو مثل قمة برازيليا التي عقدت الخميس الماضي والتي جمعت رؤساء الهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية.
في المقابل، تشكل القمة فرصة مميزة لبلد صاعد مثل الصين لتوثيق علاقاته الاقتصادية وتوسيعها، وخصوصاً مع أميركا اللاتينية، وعلى حساب النفوذ التقليدي للولايات المتحدة التي رفضت المشاركة في القمة بصفة مراقب؛ أولاً، لأن القمة تعقد في كوبا، وثانياً، لأن فلسفة القمة تناقض فلسفة الإدارة الأميركية الحالية التي تعتمد على الفرز وعلى اعتبار كل من لا يسلم بقيادتها عدوّاً.
إزاء هذا الواقع السياسي والاقتصادي حيث المناورة محدودة، والمفتوح في الوقت نفسه على التنديد بـ “الأحادية السائدة في العلاقات الدولية” وبالنموذج النيو ــ ليبرالي المفروض على اقتصادات العالم”، تحاول كوبا تحديث الحركة لتجد لها مبرراً جديداً للوجود بعد الحرب الباردة.
ومن ضمن هذا التحديث، على سبيل المثال، بلورة برنامج عملي يستعيد تجارب كوبا الناجحة في مجال التربية والصحة، إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة التي تعتمده فنزويلا منذ سنوات، في محاولة للدمج بين الحاجات الاجتماعية للدول النامية بالمبادئ العامة السياسية والاقتصادية. “كأن محور الشر توسع ليشمل العالم بأكمله”، كما قال ممازحاً وزير خارجية كوبا.