بول الأشقر
تعمّقت الأزمة المكسيكية أمس، في يوم الاستقلال. درجت العادة، في مثل هذا اليوم من كل عام، أن تبدأ الاحتفالات بما يسمى «صرخة الاستقلال»، للتذكير بما فعله الاستقلاليون منذ 196عاماً عندما انطلقوا للقضاء على الحكم الاستعماري، ثم يجري العرض العسكري، الذي يمر في ساحة «آل زوكالو» ــ أكبر ساحة في المدينة ــ قبل أن تبدأ الاحتفالات الشعبية.
لكن «صرخة الاستقلال» نقلت يوم أمس إلى مكان آخر، والعرض العسكري جرى تحت شرفة القصر الجمهوري، من دون أن يمر بساحة «آل زوكالو»، حيث يتجمع منذ نحو خمسين يوماً أنصار المرشح اليساري لوبيز أوبرادور، الذين يرون أن عملية تزوير ضخمة حرمته فوزه الشرعي في الانتخابات.
وانضم أمس مئات الآلاف من المندوبين إلى ساحة الاعتصام، للمشاركة في ما أطلقوا عليه تسمية «المؤتمر الوطني الديموقراطي»، الذي ضمّ أكثر من مليون و25 ألف مندوب مسجل. وتبنى المندوبون، في الاجتماع الذي تحول إلى هيئة دائمة، التوصيات التالية: الاعتراض في كل المناسبات التي يكون فيها الرئيس فيليب كالديرون، الذي لا يعترفون بشرعيته. والشروع بأعمال مقاومة مدنية في 27 أيلول، وتجديدها خلال عشرة أيام بدءاً من الثاني من تشرين الأول المقبل.
ثم طرح على التصويت دور لوبيز أوبرادور، وإذا كان المطلوب تعيينه «رئيساً شرعياً» أو «منسقاً عاماً» لحركة المقاومة المدنية، فنال الاقتراح الأول موافقة الأكثرية المطلقة، وعُدَّ أوبرادور الفائز بانتخابات الثاني من تموز، وبالتالي رئيساً للبلاد. ثم سئل المشاركون عن موعد تسلمه مركزه الجديد، وحُدِّد 20 تشرين الثاني، عيد الثورة المكسيكية. ثم التزمت الكتل النيابية المؤيدة لأوبرادور منع تنصيب كالديرون في الأول من كانون الأول المقبل. واختير أعضاء ثلاث لجان، الأولى سياسية والثانية لتنظيم المقاومة المدنية، والثالثة لتحضير مضمون وآليات المسائل المتعلقة بإجراء الاستفتاء أو بالدعوة إلى جمعية تأسيسية مطلوب منها صياغة دستور جديد وبناء جمهورية جديدة.
وقرر المجتمعون عقد اجتماع آخر لـ «المؤتمر الوطني» في الـ21 من شهر آذار في العام المقبل. ثم أطلق رئيس بلدية العاصمة «صرخة الاستقلال».
وفي خطابه، قبِل لوبيز أوبرادور المنصب «بتواضع، ليس حبّاً بالتشريفات، بل لإتمام المهمة التي أوكلتموني بها»، ووعد بتشكيل «حكومة الشعب» التي سيكون مقرها في العاصمة، والتي ستتجول في كل ولايات البلد.
ثم فصّل برنامج الحركة التي تؤيده، والتي تحولت الأسبوع الماضي إلى «الجبهة التقدمية العريضة»، وقوامه رفض خصخصة الكهرباء والنفط ومعارضة اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وصنّف التحرك «تجديداً للتاريخ الذي بدأ مع الثورة المكسيكية وتطويراً له».
والآن؟ بين تراث الثورة المكسيكية الذي يُعد لوبيز أوبرادور نفسه مكملاً لها، وشرعية المؤسسات الديموقراطية التي كرست انتصار كالديرون، دخلت المكسيك في فترة جديدة من تاريخها ليس واضحاً كيف ستنتهي وأين؛ فمن جهة، تحتاج حركة لوبيز أوبرادور إلى وحدة تصمد أمام الخلافات والطموحات والعروض التي ستنكب عليها لشقها. أما كالديرون، فعليه الآن أن يثبت شرعيته في أفعاله. وقد تلقّى أمس نصيحة من البنك الدولي تحثه على «إعطاء الأولوية المطلقة لمحاربة الفقر».