strong>يترقب المصريون اليوم مؤتمر الحزب الحاكم، بقليل من الآمال وكثير من المخاوف، فمشاريع التطوير والنهضة لن تكون في مقدمة اهتمام المؤتمرين، بقدر غرقهم في صراعات داخلية، قد يكون المؤتمر نهاية أو بداية لها
إعداد وائل عبد الفتاح

الاسئلة كثيرة عما سيأتي به مؤتمر الحزب الحاكم، وكل منها يفجّر نهراً من النكات على حزب يحتكر السلطة منذ أن قرر الرئيس المصري السابق أنور السادات قبل 27 سنة، أن ينسحب من حزب مصر العربي الاشتراكي الحاكم وقتها ويؤسس حزباً جديداً للسلطة.
ورغم أن الحزب يحكم من وقتها، إلا أنه لا يجد ما يقوله. لم تجهد عقول الحزب نفسها فى صياغة مقولات سياسية. ليس هناك سوى شعارات لا تعبر عن مشروع سياسي. المشروع الوحيد المنتظر هو مجرد رواية خيالية عن توريث جمال الابن.
الرواة يتوقعون أن المؤتمر الرابع هو نقطة الصفر. سيترك له الأب مكان القيادة في الحزب، إما عن طريق تعيينه أميناً عاماً، أو عن طريق ترفيع قائده السياسي عليّ الدين هلال إلى الموقع الذي يشغله رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف. ولكي تكتمل الرواية، هناك من نشر في الصحف أن الشريف يلملم أوراقه من مكتب الحزب، بينما يظهر في كل وسائل الإعلام مردّداً كلمة واحدة «لا تغيير، لا تغيير».
li>حزب الشرعية المفقودة
المدهش أن الحزب، رغم مرور 25 عاماً على تأسيسه، لم يتجاوز واقع أنه حزب من دون شرعية تاريخية، فهو لم يحقق الاستقلال ولا قاد ثورة. كما انه ليس حزب طبقات تسعى إلى السلطة من اجل تحقيق مصالحها. إنه سلطة صنعت لها حزباً. هذه حقيقة يعرفها أعضاء الحزب قبل معارضيه. يعرفها الرئيس قبل الشعب.
كل مهارة الحزب الوطني هي نسج أوهام تشبه الحقائق. حرية صحافة تشبه الحرية، لكنها غير كاملة. وانتخابات تشبه الانتخابات لكنها مزورة. ورئيس بالانتخاب، لكنه لا يختلف عن رئيس تفرضه مؤسسات الكهانة السياسية. كل شيء موجود، لكنه ليس موجوداً تماماً.
الصحافة حرة أكثر، لكن حريتها الاكبر في الشتائم، التي تعدّ مكسباً للمعارضة في كسر قداسة الرئيس، لكنها لا ترقى إلى مكاسب شعوب أخرى اقتنصت حريتها وعبرت مراحل فى وضع قانون للخروج من عصور الديكتاتورية المريرة.
صحيح أن هناك حركة ما هزت النظام الحديدى في مصر، لكنها حركة ضعيفة في جدار سميك. نظام عجوز تراكمت فيه طبقات فساد واستبداد، من الصعب تفكيكها بين يوم وليلة.
li>ضوء اخضر من اميركا
قبل يوم واحد من المؤتمر، وصلت إلى مكتب الرئيس حسني مبارك شكوى من مجموعة تسمي نفسها «الاصلاحيين الحقيقيين»، وهم 58 عضواً من كوادر الحزب وقادته، يشكون فيها من معاملة «مجموعة جمال».
وقالوا فى المذكرة «إن الأساليب القديمة التي كانت تمارس داخل أروقة الحزب حاضرة، مع ما يسمى الحرس الجديد، ولكن بصورة مختلفة، فما زالت هيئة المكتب أسيرة التقارير التي تكتبها الجهات الأمنية».
ويبدو أن أعضاء هذه المجموعة هم «ضحايا احمد عز»، الملياردير المحتكر لصناعة حديد التسليح، وأمين التنظيم، فهم يشكون من «مركزية» القرار في يد ثلاثة أعضاء من هيئة مكتب الحزب، ومن ثم فهناك «حاجة إلى تدخل الرئيس، لأن التيار المسمّى إصلاحي يسيء للحزب وإرادة أعضائه».
ويبدو أن وراء الشكوى عقلاً كان قريباً من الرئيس. فهم يذكّرونه بمقولة تقال في المناسبات وهي أن «الحزب ليس ملكاً لأحد»، ليشيروا الى خوفهم على مستقبل الحزب فى يد «الحرس الجديد».
الحكاية غريبة وغير مسبوقة. فمن يجرؤ على شكوى الابن لأبيه. ومن يتصور أن مبارك الأب يمكن أن ينحاز ضد مشروع يقال إنه من صنع «العائلة الحاكمة».
رواة مشروع التوريث يرون أن المشروع لا ينقصه سوى ضوء اخضر من الولايات المتحدة، وقد صدر أخيراً عن واشنطن، شبه ضوء أخضر، حيث أرسل الرئيس الأميركي جورج بوش، فى حواره مع «وول ستريت جورنال»، تحيات إلى جمال مبارك، في ما اعتبر اشارة إلى الموافقة على التوريث.
هكذا فهمت المعارضة مما نشر من حوار الرئيس الاميركي، الذي لم يجد حرجاً في الكشف عن حقيقة معروفة للجميع، وهي أنه لاعب اساسي في ترتيبات النظام من الداخل.
لكن المسألة اكبر من ذلك وتحتاج الى تأمّل، لأن التصريحات صدرت قبل ايام من مؤتمر الحزب الحاكم، ولم يعلّق النظام ولا الرئيس ولا الحزب، الذي يتكلم بوش عن صراعاته الداخلية وينحاز الى جناح ضد جناح فى حروب السلطة الداخلية.
تحوّلت التصريحات الى نميمة سياسية، وشائعات عن زيارات ولقاءات سرية بين مجموعة جمال وإدارة بوش. المهم أن المعارضة رأت في تصريحات الرئيس الأميركي اشارة تفتح الباب امام جمال في معركة خلافة والده. وهنا دقت من جديد طبول الحرب ضد التوريث.
جمال مبارك هو الايقونة التي اتفق النظام والمعارضة على وضعها لمنع التفكير فى المستقبل أوالبديل لنظام عجوز. التفكير كله في مقاومة السيناريو المتخيل لنظام ليس لديه افكار كبيرة.
  • قانون الوراثة
    هل هو مؤتمر ترفيع جمال مبارك؟ الغالب أن الاجابة هي: لا.
    ليس لأنه، على الأغلب، سيكون مؤتمراً من دون مفاجآت، فحتى التعديلات الدستورية التي تردد في صحف المعارضة أنها ستمهد الطريق لقانون الوراثة، لن تطرح فى مدى اوسع من التعديلات البسيطة على مواد تخص صلاحيات الرئيس في حالة الطوارئ، وتمنح بعض الصلاحيات لرئيس الحكومة الخالي من الصلاحيات في الدستور الحالي.
    وهي تعديلات لن يصرّ الحزب على تحويلها إلى واقع عملى قريباً، بل سيتركها لدورات مقبلة في البرلمان خلال العام المقبل. وسيصرّ فقط على تعديل خاص بتحصين الانتخابات بنظام القائمة النسبية. وهو نظام يستوجب حل مجلس الشعب، ويفرض على قوى مثل الاخوان، البحث عن «مُحَلَّل» من الاحزاب السياسية.
    وسوى ذلك، لن تكون هناك مفاجآت كبيرة حتى في ترتيب المقاعد داخل قيادة الحزب. سيتم فقط تحجيم نفوذ مجموعة جمال، عبر تقليص الصلاحيات، او الهجوم المباشر، كما فعل رئيس ديوان رئيس الجمهورية الدكتور زكريا عزمي عندما صرخ فى وجه احمد عز قائلاً له «تريد كل شيء لأنك تبرعت بـ30 مليوناً، رغم انك حصلت فى مقابلها على 3 مليارات»، والاشارة هنا الى استفادة عز من نفوذه السياسي فى تحقيق ثروة ضخمة.
    هذه الخلافات لم تعد سراً، بل هي جزء من حرب المواقع بين شخصيات نمت وترعرت في كنف الأب، وأخرى تريد أن تنعم بسلطة لم تتعب في الحفاظ عليها من وجهة نظر «العواجيز».
    ومن المتوقع أن يخفّ إلى حد كبير حجم الخلافات على الافكار، وينمو في المقابل الاتجاه إلى تعزيز الدفاع عن السلطة.
    والاتجاه العام داخل النظام يضغط باتجاه استخدام الاساليب القديمة، وهي التخويف والترويع، ليس لإعادة بناء دولة حديثة، او تغيير قوانين الملعب، فالوقت الآن ليس وقت الإصلاح أو التغيير أو إعادة ترتيب الدولة.
  • الرئيس وحده
    وحده الرئيس هو الموجود. يتدخل في اللحظات الاخيرة، كما حدث في قضية قانون الصحافة، عندما ألغى مواد الحبس. وبعد كارثة قطار قليوب، اتصل أيضاً برئيس حكومته ليحسم الخلاف على تمويل خطة تطوير السكك الحديدية.
    واليوم هو وحده القوي. وكل الاوراق بشأن الأمن القومي المصري والمواطنة مجرد استعراضات نظرية. المعركة سيحسمها الرئيس قبل المؤتمر، عندما يلتقي مع الغاضبين من مجموعة جمال مبارك، ويمنح ويمنع. الرئيس وحده هو الحزب الحاكم منذ 25 سنة، والكورس يستمتع بالسلطة، والثروة السهلة.