strong>يدخل اليمن اليوم الحراك السياسي، ولو من«بابه الضيق»، في ظل انتخابات رئاسية سقطت في حملاتها معظم محرمات الأنظمة العربية، فشهدت اتهامات وانتقادات على خط الحكم - المعارضة، لـ«تقدم» خطوة نحو الحراك العربي الأكبر، رغم أنها قد تنتج، على الأرجح، استمرارية للرئيس الحالي .

صنعاء - أبو بكر عباد

يتوجَّه الناخبون اليمنيون البالغ عددهم تسعة ملايين و247 ألفاً و370 ناخباً اليوم الى صناديق الاقتراع لاختيار الحاكم المقبل لليمن، لولاية من سبعة أعوام، عبر انتقاء مرشحهم لمنصب رئيس الجمهورية وممثليهم في عضوية المجالس المحلية في المديريات والمحافظات، عن طريق الاقتراع السري الحر والمباشر. ويتنافس على المنصب الأول في اليمن خمسة مرشحين هم مرشح حزب «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم منذ ثمانية وعشرين عاماً الرئيس الحالي علي عبدالله صالح، ومرشح تحالف احزاب «اللقاء المشترك» المعارض، الذي يضم أقوى خمسة أحزاب يسارية ويمينية، فيصل بن شملان.
ويعدّ صالح وبن شملان الأوفر حظاً في المنافسة. أما الثلاثة الباقون فهم المرشح عن المجلس الوطني الموالي للحزب الحاكم ياسين عبده سعيد، الذي راجت شائعات تنذر بانسحابه من السباق الرئاسي لمصلحة مرشح الحزب الحاكم، اضافة الى المرشحين المستقلين فتحي العزب وأحمد المجيدي.
ورغبة من الحزب الحاكم في تنفيس احتقان الشارع اليمني، أكد رئيس الدائرة الاعلامية في المؤتمر الشعبي الحاكم طارق الشامي، لـ«الأخبار»، دعوة صالح الى «جعل يوم الاقتراع خالياً من السلاح والعنف، وأن تكون المنافسة الشريفة هي سيدة الموقف، وأن يختار الناخب من اقتنع به وببرنامجه ليحقق له الامن والاستقرار». وعن استطلاع «حزب المؤتمر الشعبي» للنتائج التي يتوقع الحصول عليها، أفاد الشامي بأنه يتوقع الحصول على نسبة 80 في المئة من الأصوات، مضيفاً «ورغم هذا سنقبل بالنتائج أياً كانت».
في المقابل، توقع رئيس الهيئة التنفيذية لأحزاب «اللقاء المشترك» محمد قحطان امس، الفوز في الانتخابات الرئاسية بنسبة 65 في المئة من اصوات الناخبين. وقال قحطان لـ«الأخبار»، إن هذه الأحزاب «لا تنافس المؤتمر الشعبي كحزب بل تنافس السلطة والحكومة بكل مقدراتها وإمكاناتها التي استغلها الحزب الحاكم»، داعياً الناخبين اليوم الى أن يحسنوا الاختيار، ومشيراً الى أنهم «ان لم يحسنوا اختيارهم فما ينتظرهم سيكون اسود»، ومؤكداً أن المعارضة لن تقبل بالنتائج المزورة. وبحسب الدعوة التي وجهتها اللجنة العليا للانتخابات الى كافة الناخبين المقيدة اسماؤهم في الجداول، يفترض أن يتوجهوا إلى مراكز الاقتراع اعتباراً من الساعة الثامنة من صباح اليوم لممارسة حقهم الدستوري في انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء المجالس المحليةوراعت وزارة الخدمة المدنية اليمنية اهمية هذا اليوم وأعلنته اجازة رسمية لجميع موظفي الدولة، الأمر الذي لم يحدث في الانتخابات الرئاسية السابقة. ورأى المراقبون في ذلك دلالة على الاهتمام الكبير الذي يوليه الحزب الحاكم لهذه الانتخابات، خصوصاً الاستحقاق الرئاسي منها.
وتسلط الاحزاب السياسية الضوء على ثلاث محافظات هي تعز وإب والحديدة على التوالي، لكون هذه المحافظات تمثل ثلث السجل الانتخابي، والذي يستطيع التأثير على ناخبيها سيكون له الصوت الأعلى في استحقاق اليمن الرئاسي.
وتشارك الأحزاب السياسية الابرز في اليمن في إدارة هذه الانتخابات، بحسب اتفاق مبادئ وقعته فيما بينها، بما نسبته 54 في المائة للحزب الحاكم و46 في المئة لأحزاب «اللقاء المشترك». ويصل اجمالي المشاركين في ادارة العملية إلى ما يقارب مئة الف شخص يتوزعون على 21 لجنة إشرافية في المحافظات و333 لجنة أصلية في المديريات و5620 لجنة أصلية في الدوائر المحلية، بالاضافة إلى 27 الف لجنة فرعية، منها 11733 لجنة نسائية
وبحسب الالتزام الحكومي بفرض التوجه الأمني الصارم خلال الانتخابات، توزع 89 ألف عنصر أمن على عموم اللجان الانتخابية في البلاد للإشراف الأمني والحفاظ على سير عملية الاقتراع. وشددت وزارة الداخلية على قرار منع حمل السلاح او التجول به، على أن يتعرض المخالف للمساءلة القانونية.
وفي حين يتنافس 1612 مرشحاً على الفوز بـ525 مقعداً تؤلّف قوام المجالس المحلية في المحافظات، يتنافس 18 ألفاً و901 مرشح على الفوز بستة الآف و896 مقعداً هي قوام المجالس المحلية في المديريات. وأكثر ما يثير فضول المراقبين بشأن الانتخابات، التكلفة المالية المرصودة لإجرائها. لهذا، أراح رئيس اللجنة العليا للانتخابات عبدالوهاب الشريف هذا الفضول وأعلن تخصيص نحو 10 مليارات ريال يمني نفقات للعملية الانتخابية، منها ــ على حد قوله ــ أكثر من سبعة مليارات و700 مليون للجان الانتخابية الميدانية والأمنية.
وتحظى هذه الانتخابات باهتمام كبير، لا على المستوى الداخلي فحسب، بل على المستوى العربي والدولي، الأمر الذي يتضح من عدد المراقبين الذين تقدموا بطلبات للرقابة على العملية الانتخابية. وأعلن رئيس قطاع منظمات المجتمع المدني، أن عدد المراقبين المحليين والدوليين يبلغ 45 ألف مراقب سيعملون في مختلف المحافظات، معتبراً أن حجم المشاركة المحلية والعربية والدولية في الرقابة على الانتخابات هو الأكبر عدداً، مقارنة بالانتخابات السابقة.
ويرى مراقبون سياسيون واجتماعيون، أن هناك تذبذباً في نسب الاستطلاعات التي حصل عليها كل من مرشح الحزب الحاكم ومرشح «اللقاء المشترك» المعارض، منذ بدء الحملات الانتخابية إلى يوم الاقتراع، فحظوظ بن شملان كانت متقاربة مع حظوظ صالح بنسبة 6 إلى 4 لصالح، فيما كانت النسبة في منتصف الحملة 7 إلى 3.
ويرى المراقبون أن نسبة الفارق اتسعت قبل يومين من الاستحقاق لتصبح 8 إلى 2 لمصلحة الحزب الحاكم. وتعدّ تلك التقديرات عشوائية من واقع استطلاع بعض مراكز الأبحاث والمواقع الالكترونية للشارع اليمني.
ويتوجس قادة المعارضة من سعي الحزب الحاكم الى تزوير الانتخابات، وقد صرحت رموزها بأنها ستعلن العصيان المدني اذا ما زُورت الانتخابات الرئاسية، مشيرة الى أن لديها وسائل اخرى لتعبر فيها عن احتجاجها على نتائج الاستحقاق.


مفاجأة اللحظة الأخيرة
فجَّر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، خلال مؤتمر صحافي عقده في صنعاء أمس، مفاجأة من «العيار الثقيل»، عشية الاستحقاق الرئاسي، عندما أعلن عن توقيف الحارس الشخصي لمرشح أحزاب «اللقاء المشترك» فيصل بن شملان، منافسه الرئيسي في الانتخابات، موضحاً أنه «إرهابي كبير» كان يخطط لتنفيذ اعتداءات ضد مصالح أميركية وفندق في البلاد.
وقال صالح: «ألقينا القبض على إرهابي كبير كان ينوي القيام بعمليات ضد منشآت أميركية وفندق موفنبيك»، الذي تقطن فيه بعثة الاتحاد الأوروبي للرقابة على الانتخابات. وأفادت مصادر أمنية لموقع «26 سبتمبر» بأن نتائج التحقيقات الأولية أظهرت أن هذا الشخص، ويدعى حسين محمد الذرحاني، هو صاحب المنزل الذي تمّ تأجيره للخلية التي قامت بمحاولة الاعتداء على المنشآت النفطية، وكان على علاقة مباشرة مع هذه الخلية التي ضبطت في 16 أيلول الماضي، وهو الشخص الذي شوهد كمرافق شخصي لمرشح «اللقاء المشترك» في عدد من المهرجانات الانتخابية في المحافظات، ومنها محافظتا الضالع ومأرب، وهو كذلك من الذين انتدبوا من «حزب التجمع اليمني للإصلاح» لمهمة الحراسة. وذكرت المصادر أن الذرحاني «كان ضمن العناصر الإرهابية التي تلقت تدريباتها في أحد المعسكرات الخاصة في التدريب في أفغانستان، كما عمل مرافقاً لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وانضم إلى الجماعات المتطرفة منذ وقت مبكر».
واتهم المتحدث الرسمي لـ «اللقاء المشترك» ورئيس هيئته التنفيذية محمد قحطان السلطة بمحاولة تشويه سمعة «اللقاء» من خلال «دس» أحد عناصر استخباراتها كمرافق لبن شملان. وقال قحطان: «لم ننكر يوماً أن لدى السلطة القدرة على الاختراق والإيذاء، ولكن ما ننكره أن تمتلك السلطة أنامل البناء»، مشيراً إلى أن «اللقاء» أبعد الذرحاني، الذي استمر لثمانية أيام مع حملته الانتخابية، بعدما اكتشف أن له ارتباطات بالأمن واستخبارات السلطة.
ورأت قيادات أحزاب «اللقاء» أن السلطة وحزبها يسعيان إلى «إرهاب المواطنين ومنعهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع من خلال التوظيف السياسي لقضايا الإرهاب والتعامل اللامسؤول معها». ووصف قحطان تصرفات السلطة بـ«محاولات إرهاب مكشوفة»، قائلاً: «عندما يتحدث شخص بحجم رئيس الجمهورية بتلك الخفة ويلقي التهم جزافاً من دون حساب مستبقاً القضاء والقانون، يشعر المستمع بأن الرئيس هو من يقف وراء هذا الأمر». ويبدو أن غرفة عمليات أحزاب «اللقاء المشترك» أصيبت بصدمة سياسية جراء تصريحات مرشح الحزب الحاكم، وهو ما دعاها إلى اللعب بأوراقها السياسية الأخيرة، ودفع المرشح المستقل الدكتور فتحي العزب أنصاره وجميع الناخبين إلى التصويت لبن شملان.