باريس ــ بسّام الطيارة
أثار مطلب الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعدم عرض المسألة الإيرانية على مجلس الأمن الدولي، استغراب العديد من المراقبين في الداخل الفرنسي، إذ اعتبر البعض أنه قدّم تنازلاً «مجانياً» لإيران.
ويرى بعض المراقبين في «انعطافة شيراك» نوعاً من «الواقعية الديبلوماسية» ويفسر هؤلاء خطوته بأنه «استخلص من المفاوضات المكوكية بين الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا وأمين سر مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني أن المفاوضات قائمة والتخصيب لم يعلّق». وانطلاقاً من ذلك، فقد رأى أنه «من الأفضل في ضوء مواقف كل من الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية الأخذ بالاعتبار ما هو حاصل»، بعيداً عن كل مزايدة غير مضمونة النتائج.
وطُرحت أسئلة كثيرة عن «توقيت» هذه المبادرة. يرى مراقبون التوقيت مرتبطاً «بعوامل كانت مأخوذة بالاعتبار» منذ أكثر من أسبوع، عندما جرى تسريب بعض الأنباء من مصادر فرنسية رفيعة عن «إمكانية القبول بقيام مفاوضات من دون وقف التخصيب».
غير أن مصادر فرنسية رسمية سارعت في حينها وكذبت الخبر بشكل رسمي واعتبرته «بالون تجربة» بهدف قطع الطريق على المباحثات القائمة بين سولانا ولاريجاني. ولم يتردد البعض في اتهام جهات بمحاولة دفع إيران نحو مزيد من التصلب.
غير أن الأيام كشفت ان هذه التسريبات كانت بالفعل بالوناً ولكنه «فرنسي المصدر»، فبعد يومين من هذه التسريبات، استقبل شيراك في ١٢ أيلول مبعوث الرئيس الإيراني هاشمي سمارة، وقاما «بجولة أفق حول قضايا المنطقة».
وبشكل مفاجئ، ألغي اللقاء بين سولانا ولاريجاني في باريس، الذي كان مبرمجاً في ١٤ أيلول وحل محله لقاء خبراء من الطرف الأوروبي والطرف الإيراني في جنيف.
ومن هنا يتبين أن مبادرة شيراك لم «تأت من عدم» بل هي مبنية على «تواصل بينه وبين أعلى المراجع الإيرانية». ويتفق المراقبون على القول إن «من غير الممكن ألا يكون لقاء شيراك وسمارة قد تطرق إلى مجمل قضايا المنطقة» من دون أن يذهب هؤلاء إلى القول بوجود «رزمة تفاهمات». ولكن لا يستبعد البعض أن يكون قد تم التوافق على «عتبات تفاهم» تتعلق بالمسألة النووية الإيرانية انطلاقاً من «واقعية شيراك ورغبة أوروبية بإعطاء الحوار فرصة حقيقية». ومن غير الممكن ألا يكون قد تم التطرق إلى المسألة اللبنانية.
ويقول أحد الخبراء إن «الحظ قد خدم شيراك»، أي إن عنصر المفاجأة قد استُغل من الرئيس الفرنسي لرد الصاع لوزير داخليته نيكولا ساركوزي، وليبرهن لواشنطن على أنه لا يزال ممسكاً بزمام الديبلوماسية، وأن ساركوزي، عندما تكلم عن الملف الإيراني مع محادثيه في العاصمة الأميركية، لم يكن دارياً بما يحدث في باريس.