«لم تكن ليلى فخرو امرأة عادية، بل هي استثناء بكل المقاييس: انخرطت في العمل السياسي المعارض وهي بنت الأغنياء التي كانت تدرس الرياضيات والإحصاء في الجامعة الأميركية في بيروت في الستينيات، لتنتقل بعدها إلى صفوف الثوار في ظفار، الإقليم الجنوبي لعمان، مقدمة نموذج آمن بأنه لا حياة مع الاستعمار والجهل والأمية».بهذه الكلمات، يصف رضي الموسوي المناضلة ليلى فخرو، التي رحلت بعدما خطت سيرة إقليم ظفار، حيث أسست جيلاً بأكمله عبر التعليم، عندما كانت المدارس ممنوعة، ولبس النعل ممنوعاً، ولبس النظارات ممنوعاً أيضاً!
ويكتب محمد فاضل أنه «عندما ذهب الروائي المصري صنع الله إبراهيم في زيارة طويلة إلى منطقة ظفار في عمان، سأل كبار السن عمّا يتذكرونه من أيام الثورة. وعلى مدى أشهر أو أكثر لم يجد سوى نتف قليلة من روايات تفوه بها هؤلاء، لكن من أذهلهم أنه لا يتذكرون سوى اسم واحد: هدى». ويضيف: «هدى هذه لم تكن سوى مديرة مدرسة أنشت في العراء وخرجت طلاباً تقلدوا اليوم مناصب رسمية عالية. هدى سالم كان اسمها الحركي، أما بطاقة تعريفها فتقول: ليلى عبد الله فخرو».
«وفي بطاقة تعريف ليلى ما هو أكثر من ذلك، لكنها غير متاحة لأنها محجوبة بوعي. فصاحبة البطاقة ليست من النوع المتباهي أو من طلاب الشهرة. إنها نوع نادر جداً من النساء والمناضلين»، يتابع فاضل.
ويقول عبد الرحمن محمد النعيمي: «وجدت ليلى فخرو، التي استبدلت اسمها بهدى سالم، طريقها إلى عدن من بيروت، حيث قررت مغادرة عالمها المخملي إلى عالم الثورة والتغيير، فقد أسرتها مبادئ العدالة والمساواة، وقررت النضال ضد الظلم والقهر الطبقي والوجود الاستعماري، وقررت أن تحمل السلاح، وكانت ظفار مركز الصراع من أجل المستقبل».
ويذكر فاضل: «غادرت ليلى البحرين طالبة في الستينيات وعادت وغادرت من جديد، قاتلت وسافرت وعلمت المئات من الصغار وزارت نساء ظفار في بيوتهن، عملت واجتهدت وربت الأولاد». تنقلت بين بيروت وبغداد وعمان، «لكن أحداً بالكاد يعرفها».
عام 1995، عادت ليلى فخرو إلى البحرين واستقرت هناك. وتوفيت أول من امس، في أحد مستشفيات لندن، بعد صراع مرير مع المرض دام سنوات طويلة.
ويقول إبراهيم بشمي إن «ليلى، ابنة العائلة المعروفة والغنية، رمت بكل طموحاتها الشخصية وبالراحة والاستقرار والغنى والدراسة في بيروت، وراءها، وبذكائها الحاد وهي المتميزة بالرياضيات لتلتحق بالفقراء الباحثين عن مكان تحت شمس الحرية والتحرير من الاستعمار البريطاني الذي كان يلقي بثقله على كل منطقة عمان والخليج العربي».
ويشير عبد النبي العكري، الذي عرفها خلال مرحلة الدراسة في بيروت، إلى أن «ليلى فخرو، ومنذ مرحلة الدراسة الجامعية في بيروت، اختطت طريقاً متميزة، طريق النضال الوطني في ظروف العمل السري المحفوف بالمخاطر، فانتمت إلى القوميين العرب وانحازت إلى التيار اليساري فيه، الحركة الثورية في عمان والخليج العربي. وعندما توحدت فصائل يسارية في البحرين في إطار الجبهة الشعبية، كانت ممن أسهموا في هذا الحدث التاريخي».
«أنشأت من العدم مدرسة الثورة كأول مدرسة في المنطقة المحررة، في مجتمع مختلف لا يعرف حتى العجلة، ولا اللغة العربية، ووسط قصف المدافع وغارات الطائرات والاستنفار العسكري، أقامت الخيام والتي هي عبارة عن صفوف في الهواء الطلق»، يلفت العكري.
ويتابع بشمي أنه «بعد أن لم تستطع الثورة أن تواجه كل التحديات السياسية التي ضربت المنطقة في نهاية السبعينيات، وتلاشت روح الثورة وفاحت رائحة النفط والثروة، ظلت ليلى قابضة على جمر الوطن في منافي بيروت وقبرص وغيرها، وحلم العودة إلى الوطن يداعبها ويشدها».
ويضيف النعيمي: «ليلى... هدى، تلك الفتاة، التي وجدت في التمرد والثورة على الواقع راحتها، كانت تحلم بالكتابة عن تلك الفترة، لكنها ترددت في الكتابة عن نفسها، فقد كان الحديث عن ذاتها عدوها الأول».
(الأخبار)