هل سنقنع أطفالنا بأن الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا تحتجز لعبهم؟ تقول امراة فلسطينية، بينما تدعو أخرى الى رحيل الرئيس والحكومة، في وقت يطلّ فيه شهر رمضان على الشعب الفلسطيني في ظل ظروف تحيطها المآساة ويلفها الحرمان...
رام الله ـ يوسف الشايب

«رمضان وصل، والراتب ما نزل، مع ذلك نهنئكم بحلول الشهر الفضيل»... بهذه الرسالة القصيرة على الهواتف النقالة، عبّر الفلسطينيون، وخاصة العاملين في الوظائف الحكومية، الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ قرابة ثمانية أشهر، عن مأساوية الظروف التي يعيشونها مع حلول شهر رمضان المبارك لهذا العام، الذي أكد كثيرون منهم أنه «الأقسى» في السنوات الأخيرة.
وتتصدر هذه الرسالة ومثيلاتها ومنها «رمضان طل وبان، جوع وقهر وفلتان»، و«زيت وزعتر برمضان، والكل والله جوعان»، هواتف الموظفين الحكوميين وأقاربهم، في حين تتصدر الأزمة الاقتصادية الخانقة أحاديث الصائمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسط سوق كاسد، وبضاعة تبور، وراتب لم ير النور قبل شهر رمضان، كما وعد رئيس الوزراء إسماعيل هنية، وقبله الرئيس محمود عباس.
ويقول الشرطي عبد المعطي سلامة الذي عبَّر عن غضب يسيطر على أكثر من مليون فلسطيني يستفيدون مباشرة من رواتب السلطة الوطنية الفلسطينية، التي توقفت منذ آذار الماضي: «في جميع دول العالم يستقبلون رمضان بسعادة وترحاب، أما نحن فبات رمضان بالنسبة لنا، مناسبة لتذكر مآسينا، ليس في جيوبنا ما نعمم به بهجة الشهر الفضيل على أطفالنا المحرومين. نعلم أن رمضان ليس موسماً للولائم، لكن مصاريفه كثيرة، والعين بصيرة واليد قصيرة».
وتخشى المعلمة انتصار الرنتيسي أن يتوقف صاحب البقالة المجاورة لمنزلها، وصاحب محل بيع الدجاج، عن «البيع بالدين» بعد الأسبوع الأول من رمضان، إذا لم تصرف رواتب الموظفين. تقول إن «الديون كثيرة، ويبدو أن لصاحب البقالة، ومحل الدواجن، وغيرهما، طاقة للبيع (عالدفتر). إذا توقف هؤلاء عن تقديم هذه الخدمة، مع عدم صرف الراتب الذي وعد به كل من هنية، وعباس، فإن الشهر الفضيل سيكون مأساوياً، بكل ما تحمل الكلمة من معان».
وتشير الرنتيسي الى أنه «بفضل المساعدات الرمزية التي يقدمها بعض الأقارب، قد يتم تجاوز مسألة متطلبات الشهر، بصعوبة بالغة، وبسياسة (شد الحزام)». وتتساءل «لكن ماذا عن العيد وفرحة الأطفال، هل سنقنع أطفالنا بأن الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا تحتجز لعبهم؟ أم أن ملابس العيد الجديدة متوافرة في مقر الرئاسة في رام الله، أو عند رئيس الوزراء في غزة؟ والمشكلة الوحيدة تكمن في توفير أجرة المواصلات لإحضارها».
ولا يشك حسام فضل في أن الظروف المالية الصعبة ستؤثر في «صلة الأرحام» في رمضان، فالكثيرون لا يملكون ما يكفي لدعوة شقيقاتهم وأشقائهم إلى تناول طعام الإفطار معاً، والأغلبية لا تجد ما يكفي لأجرة سيارة تقلها إلى قرية مجاورة أو بعيدة، بغرض زيارة نساء العائلة، ممن اعتدن هذه الزيارات في رمضان، والأعياد. ويقول: «شقيقاتي هاتفنني قبل إعلان بداية شهر رمضان، حيث اعتذرن عن تلبية أي دعوة إلى الإفطار في منزلي، بسبب الوضع الصعب الذي أعيشه كموظف من جهة، ولكون عبء الوصول إليّ من القرى التي يعيشون فيها، يبدو فوق طاقة أزواجهن». ويضيف فضل: «لا يكفينا الاحتلال وحواجزه واقتحاماته المتكررة، ليضاف إلينا عبء توقف الرواتب للشهر الثامن على التوالي، نحن نعيش في مأساة حقيقية، ولا حياة لمن تنادي».
ويستغرب فضل، الموظف في إحدى الوزارات، دعوة حركة «حماس»، «الشعب الفلسطيني إلى الصبر والاستعلاء على المحن والتحديات، واستلهام معاني العطاء والتكافل الاجتماعي، ومحاربة شياطين الإنس الذين يعيثون في الارض فساداً». ويقول: «بدلاً من العمل على توفير ما يدعم صمودنا الذي يتغنون به، وبدلاً من إدراك حجم المعاناة التي نعيشها، وتوفير راتب شهر واحد على الأقل، كما وعد رئيس الوزراء، يخرجون علينا مع حلول الشهر المبارك بـ(كمشة) شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، مطالبة إيانا بربط الحجارة على معدنا الخاوية».
وتطالب منى قادر، ليس فقط بتأمين الرواتب، بل بضبط الأوضاع الأمنية الداخلية المتدهورة، ولا سيما في شمال الضفة الغربية وقطاع غزة، قائلة: «اننا في رمضان لم نعد نعيش وضعاً اقتصادياً متدهوراً فحسب، بل وضعاً أمنياً متدهوراً أيضاً، يعني لا مصاري ولا أمان». وتضيف غاضبة: «بصراحة على الجميع أن يتركوا المناصب والكراسي ما داموا لم يفوا بوعودهم للشعب الفلسطيني، البرنامج الانتخابي لحركة (حماس)، وبرنامج الحكومة، ومن قبله البرنامج الانتخابي للرئيس، تتحدث عن تنمية اقتصادية وأمن وأمان، ولا نجد شيئاً من هذا القبيل، أعتقد أنه ما لم يتمكن الرئيس والحكومة من تحقيق ما وعدوا الشعب به، فإن عليهم وضع مصيرهم بيد الشعب، بغض النظر عن طريقة تحقيق ذلك. هناك من يموت جوعاً أو مرضاً بسبب عدم قدرة ذويه على تأمين العلاج له في الوقت المناسب، وهناك من يموت برصاص فلسطيني، حرام عليهم يخلّونا نستقبل رمضان، شهر الخير والتسامح، في ظل هذه الأجواء، حرام عليهم».
ومع خروج عشرات الآلاف من الموظفين في مسيرة حاشدة في غزة، مطالبين برواتبهم، في اليوم الأول من رمضان (اول من امس)، يبدو أن الصورة القاتمة تفرض نفسها على جموع الصائمين في الضفة وغزة. وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم نقابة العاملين في الوظيفة العمومية باسم حدايدة «لا يمكن تصور حجم المعاناة التي يعيشها الموظف مع حلول شهر رمضان المبارك، وبعد قرابة ثمانية أشهر من توقف الرواتب، لم تقم الحكومة بأي من مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، وخاصة في ما يتعلق بتأمين الراتب، وتكتفي بإطلاق الشعارات... شددنا الحجارة على بطوننا لأكثر من سبعة أشهر، ولا يمكن أن نشدها للأبد... على الجميع الوقوف بمسؤولية أمام ما يحدث... المأساة كبيرة، كبيرة جداً، ويمكن ملاحظتها بسهولة داخل أي منزل لأي موظف من بين الـ165 موظفاً، باتوا على قوائم الفقراء».