strong>كان الرئيس السوري بشار الأسد صريحاً في الحديث عن علاقة سوريا الصعبة مع الولايات المتحدة قبل أحداث 11 أيلول وبعدها، ولم يكن موارباً في الإشارة إلى أبعاد المهمة الأوروبية في لبنان بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. «فالاستحالة» هي العنوان، والحل «جذور الأزمة»
برلين ــ غسان أبو حمد

رأى الرئيس السوري أن مهمة القوات الدولية المعززة في لبنان لوقف تدفق الأسلحة إلى حزب الله «ستكون مستحيلة»، داعياً الدول الأوروبية إلى البحث في أصل المشكلة. ورأى أن «الولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط هي السبب وراء الهجوم الفاشل، الذي استهدف في الآونة الأخيرة السفارة الأميركية في دمشق».
وقال الأسد، في مقابلة تنشرها مجلة «در شبيغل» الألمانية في عددها الأسبوعي الصادر اليوم الاثنين، إن «الولايات المتحدة تداوي سرطان الإرهاب، ولكنها لا تستأصله من جذوره وإن حربها في العراق زادت حجم الأزمات وباتت تهدد بتقسيم المنطقة بكاملها».
وفي ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على لبنان والقرار الدولي 1701، قال الاسد إنه «سيكون من المستحيل منع وصول الأسلحة إلى حزب الله بسبب ما يحظى به من تأييد عام قوي». وأضاف: «ما دام الدعم الشعبي لحزب الله بهذه الصورة القوية التي نراها اليوم، فهذه مهمة مستحيلة. فالغالبية ترى أن المقاومة ضد إسرائيل مشروعة. وأنا أقول للأوروبيين: لا تضيعوا وقتكم وابحثوا عن أصل المشكلة».
وأكد الأسد أن حزب الله «ليس بحاجة إلى سلاح ولديه ما يكفيه». وتابع: «نحن في سوريا لن نسمح بأن تشكل أي عملية تسليح لحزب الله ذريعة لعدوان إسرائيلي. نحن ندعم حزب الله في إطار المساعدة لإعادة بناء ما تهدم في لبنان وفتح معاهدنا الدراسية أمام طلابه».
ونبّه الأسد الدول الأوروبية إلى حال الغليان الشعبي في بلاده نتيجة انعكاس نصر حزب الله وتشكيله نموذجاً للتحرير يقتدى، وتطالب به شعوب المنطقة، لكنه أشار إلى أن السلام بالنسبة إليه، لا يعني استرجاع هضبة الجولان فقط، بل يجب أن يكون شاملاً نظراً لوجود نصف مليون لاجئ فلسطيني في سوريا لا يزالون في انتظار يوم العودة إلى فلسطين.
وشدد الأسد على أنه «من دون سوريا لا سلام في الشرق الأوسط. إن النزاع في لبنان وفلسطين لا يمكن فصله عن سوريا».
ونفى الرئيس السوري مجدداً أي علاقة لسوريا بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مشبهاً وقائع عملية الاغتيال بعملية الانتحار الفردي التي نفذت ضد السفارة الأميركية في دمشق.
وحول خلفيات الاعتداء على السفارة الأميركية في سوريا، قال الأسد: «كانت عملية إرهابية، هذا أقل ما يقال عنها. إن الإرهاب شبح يحركه الجهل فيندفع في لحظة معينة بطريقة انتقامية. هذه هي على ما يبدو خلفية هذا الاعتداء. إنه ردّة فعل على السياسة الأميركية في العراق وفلسطين وأفغانستان».
وأضاف أن البيانات، التي عثر عليها على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمهاجمين والمعلومات التي جُمعت عنهم، تشير إلى أنهم «كانوا شباناً منعزلين ومؤيدين للقاعدة من ضواحٍ في دمشق وكانوا يطلقون على أسامة بن لادن أسد الإسلام».
وقال الأسد إنه «بعد هجمات 11 أيلول كثفت سوريا والولايات المتحدة تعاونهما في القضايا الأمنية وأنقذنا معاً أرواح الكثير من الأميركيين». وأضاف: «بعد ذلك ظهرت حرب العراق وبدأت أميركا في ارتكاب الكثير من الأخطاء».
وحول إمكان تحسين العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة، قال الأسد: «على الولايات المتحدة أن تستمع إلى مطالب الآخرين. إن الحكومة الأميركية لا تهتم بالأمور المشتركة مع الآخرين. إن ما تفعله واشنطن يشبه نصائح الطبيب التي يقترحها لمعالجة مرض السرطان عوضاً عن استئصاله. إن الإرهاب ينمو وينشط عوضاً عن الضمور. نحن والولايات المتحدة نعاني معاً من هذا المرض، لكنها لا ترغب بالتعاون معنا لمكافحته».
وأشار الأسد إلى أنه بعد الهجوم الأخير، حصلت اتصالات مع الولايات المتحدة، «ولكن نتائج هذه اللقاءات متوقفة عند رغبات الجانب الأميركي: هل لنشرب القهوة معاً ونتحدث عن المناخ وحالة الطقس؟ أم المطلوب اتخاذ خطوات لتحقيق الأمن في العراق ودفع مسار السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام؟»
وأضاف الأسد أنه «حذّر الولايات المتحدة من أنها ستفوز في الحرب في العراق ولكنها ستغرق في مستنقعه». وتابع: «اتضح أن الأمر أسوأ مما كنت أتوقع»، مشيراً إلى أن العراق يحتاج إلى «سلطة مركزية قوية» يمكن أن تكون علمانية ولا يحتاج إلى أحد «جاء على دبابات أميركية».
ورأى الرئيس السوري أن تداعيات ما يحصل في العراق وعمليات التقسيم، إن وقعت، ستطال المنطقة بأسرها. وقال: «هذا تدمير ليس فقط للعراق، ولكن لسوريا بكاملها من الخليج إلى وسط آسيا. تخيّلوا ببساطة انقطاع حبل مسبحة تلتقط حبوباً. إن كل دول المحيط العراقي تقريباً لديها مواقع ضعف وستتقطع. وعندما تقع انقسامات طائفية مذهبية وعرقية في بلد ما فهي ستتمدد في محيط هذا البلد. هذا يشبه نتائج نهاية الاتحاد السوفياتي، ولكن على أسوأ بكثير. حروب كبيرة وحروب صغيرة. لن يكون بإمكان أحد أن يوقف تداعيات هذه الحروب».
وفي ما يتعلق بالعلاقة مع إيران، وإذا كان يوافق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على ضرورة إزالة إسرائيل عن الخريطة، قال الأسد إن «هذا القول بات شائعاً لأنه ما من أحد مقتنع برغبة إسرائيل في السلام. إن جيلاً كاملاً يتولد لديه الاقتناع بأن القوة والحرب وحدها تقود إلى السلام». لكنه أضاف: «أنا لا أتحدث عن زوال إسرائيل عن الخريطة.. نحن نريد السلام معها».