strong>بوتين يؤكد تأييد موسكو «المحكمة الدولية»...وشيراك يرى في العدوان على لبنان «فرصة» للسلام
باريس ــ بسّام الطيارة

استقبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل في قصر «كونيين» في ضاحية باريس لعقد «قمة» ذكّرت كثيراً بقمة مماثلة في عام ٢٠٠٣ أسست لما عرف بـ «خط باريس ــ برلين ــ موسكو». غير أن دوافع «قمة» أول من امس كانت بعيدة، الى حد ما، عن دوافع الحلف السابق، فجاءت النتائج لتزيد من إبراز الفارق بين القمتين.
ويعترف بعض المراقبين بأن شيراك نجح في وضع القمة تحت الأضواء الإعلامية من حيث التوقيت، إذ إنها أتت مباشرة بعد الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي جمعت زعماء العالم، وكأنها تشير إلى «اجتماع حلفاء» لتقويم نتائج المباحثات التي جرت في نيويورك واتخاذ موقف موحد منها. الا أن تصريحات الزعماء الثلاثة في نهاية القمة، عادت وأفرغت الزخم الإعلامي الذي نفخه التوقيت ومكان اللقاء في قصر بعيد عن العاصمة. فلا جديد خرج عن هذه القمة، ولا تم الإعلان عن توجه جديد لما يريد شيراك أن يمثّل محوراً أوروبياً يواجه المحور «الأنكلوساكسوني» الذي تقوده واشنطن. ويقول متابع لمباحثات القمة إن «شيراك لا يزال يراهن على تغيير في موقف ميركل القريب جداً من موقف واشنطن»، استناداً إلى ضعف موقعها على الصعيد الداخلي، ويصف دعوة بوتين إلى هذا اللقاء بأنها كانت «للدلالة على وجود قوة يمكنها دعم التوجه الأوروبي»، وخاصة في معالجة مسألة الشرق الأوسط. ويضيف المصدر أن الرغبة الأوروبية بالبدء في «إعادة إحياء عملية السلام في المنطقة، واجهت نوعاً من التردد من الطرف الألماني» وأن باريس، إلى جانب روما ومدريد، كانت تتوقع هذه المعارضة من بريطانيا غير أنها «فوجئت بمعارضة ألمانية لم تكن تنتظرها».
وبحسب تسريبات من وراء الكواليس، فإن القمة المصغرة التي كان هدفها محاولة تقريب ألمانيا من هذا التوجه الأوروبي، لم يكن معدّاً لها للخروج بمفاجآت كبرى، لكنها تدخل فقط ضمن خطة تأطير المؤتمر الدولي الذي «وعد شيراك به أصدقاءه العرب»، في محاولة لامتصاص الصدمة التي أصابتهم نتيجة «الصدّ الذي جوبه به طلبهم بدور للأمم المتحدة في عملية السلام» والذي كان يتوقعه الرئيس الفرنسي. وتقول بعض الأوساط، إن شيراك متفهم لموقف «هؤلاء الاصدقاء» وعدم قدرتهم على السيطرة على الأوضاع في بلادهم ما دام المجتمع الدولي لم يمدّهم بنوع من «الملاقاة في وسط الطريق».
ويؤكد هؤلاء أن شيراك مقتنع، مثل ما هو حال بوتين، بأن حل المسألة الفلسطينية يفتح الباب أمام إمكانات حل مجموعة من المسائل العالقة في منطقة الشرق الأوسط. وهو أراد من هذه القمة تقريب موقف ميركل من هذا التصور.
وبرز عبر التصريحات التي ختمت القمة نجاحٌ في بعض المسائل التي «لا بد من أن يتطرق لها المؤتمر المزمع عقده» كما يقول أحد المقربين، وخاصة المسألة الإيرانية، فبات موقف ميركل أقرب إلى الموقف الأوروبي العام من تشجيع إيران على الدخول في «مباحثات لدراسة سلة الحوافز»، كما بات الموقف الأوروبي أقرب إلى الموقف الروسي بعدم التلويح بعقوبات أو بتحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن.
أما في الملف اللبناني، فقد عدّلت ميركل في تصريحها قليلاً مما سبق وقالته في شأن مهمة القوات الألمانية التي فسرتها أمام «البوندستاغ» بأنها «لحماية إسرائيل»، فأجابت عن سؤال يستوضح هذه النقطة بأن قواتها موجودة لتطبيق القرار ١٧٠١ ومساعدة السلطات اللبنانية، وأغرقت «هدف حماية إسرائيل» بالمقولة السائدة إعلامياً بـ«حق إسرائيل في الوجود».
وفي سياق الحديث عن لبنان، طرح على بوتين شخصياً سؤال صحافي عن «المحكمة الدولية» وإذا كان تأليف المحكمة «هو ضمن الحل العادل لمسألة اللبنانية»؟ فأجاب الرئيس الروسي بأن «تأليف المحكمة هو متوافق مع القانون الدولي» وشدد على ضرورة القبض على المتورطين ومحاكمتهم.
وانتقد مقرب من الوفد الروسي التعامل الإعلامي مع بوتين بشأن هذه «المحكمة الدولية» الذي جاء «وكأن روسيا قد غيرت موقفها الداعم للقانون الدولي»، في حين أن موسكو، حسب المصدر نفسه، كانت «دائماً تقف مع القانون الدولي والحق»، وأضاف أن إرسال قوات تقنية خارج إطار الأمم المتحدة وضمن اتفاق ثنائي مع الحكومة اللبنانية لا ينتقص من «دعم موسكو لقوات اليونيفيل ولمهمتها كما حددها مجلس الأمن».
وتلفت مصادر فرنسية الى أن أوروبا قد قررت عدم السماح للمسألة الفلسطينية التي تصفها بـ«أم المسائل» بالعودة إلى أدراج النسيان. وبرز ذلك جلياً على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية الذي تطرق في إجابته عن سؤال بشأن «ميكانيكية السلام المقترحة»، فذكّر باقتراح شيراك «عقد مؤتمر دولي لإعادة إحياء عملية السلام»، ووصف عمل «اللجنة الرباعية» بأنه «يقود في اتجاه عملية السلام» وذكّر بأهمية «خريطة الطريق»، غير أنه استطرد قائلاً: «بعد ما حصل خلال الصيف»، في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان، «فإننا أمام نافذة فرص لإعادة إطلاق عملية السلام مع كل الأطراف المعنية» وربط هذه النظرة باقتراح فرنسا عقد مؤتمر دولي.
وترى بعض الأوساط أن حديث شيراك عن مؤتمر دولي «جاء مرة أخرى شوكة في خاصرة الرئيس الأميركي جورج بوش». ورفض المتحدث الرسمي الفرنسي تأكيد «موافقة أو عدم موافقة الرئيس الأميركي على هذه الفكرة» أو نفيها، مكتفياً بالقول إن الرئيسين اجتمعا في نيويورك وإنه لا يزال من المبكر التحدث عن الأمر قبل أن تأتي إشارة من «الإليزيه». وتغاضى شيراك عن الموضوع ولم يتطرق إلى «موقف الولايات المتحدة من هذه المؤتمر الذي دعا إليه»، وهو ما يفسره الديبلوماسيون بأنه «عدم موافقة»، الأمر الذي يبرر العمل الدائب للحصول على دعم من بعض القوى لجلب واشنطن للقبول به وإقناع تل أبيب بالموافقة عليه.