باريس ــ بسّام الطيارة
غوص ساركوزي في «التأمرك»، لم يقتصر على السياسة الخارجية، فها هو يدخل اليوم في دهاليز المذهبية، للتفريق بين سني وشيعي وإنجيلي وغيرها، في إشارة إلى مدى «القطيعة» التي قد يحدثها مع السياسة الفرنسية، ليلحقها كلياً بما تريد واشنطن

ازدحمت شوارع العاصمة الفرنسية باريس بتظاهرات لرجال الإطفاء المضربين عن العمل للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، بعد أيام من المديح الذي كاله وزير الداخلية نيكولا ساركوزي لفوج إطفاء نيويورك.
ورغم أن الجدل في شأن زيارة نيويورك وانتقاده السياسة الفرنسية أمام مضيفيه لم يهدأ، يبدو أن ساركوزي، الذي بدأ معركة انتخابية يريدها شرسة، لا يأبه لما تثيره تصريحاته من ردود فعل، حتى عندما تتناقض مع اتجاهات مجمل التيارات السياسية في فرنساوكان ساركوزي قد قال إن برنامجه مبنيّ على «قطيعة مع السياسة الفرنسية» في المجالات كلها. والواضح أنه يعني ما يقول، فإلى جانب السياسة الخارجية، التي اصطفّت في سياق السياسة الأميركية بشكل مفضوح، ها هو يلحقها أيضاً بتصريحات تمسّ بأسس التعايش الفرنسي والسياسة الداخلية المتعلقة بالتعامل مع الطوائف.
فوزير الداخلية، الذي هو في الوقت نفسه «وزير الديانات»، يعدّ مشروع قانون يلغي مفاعيل قانون تعامل الدولة مع الطوائف في فرنسا المعروف بقانون ١٩٠٥، الذي فصل شؤون الكنيسة عن الدولة والذي يمثّل قاعدة العلمانية في فرنسا.
وتأثير الرئيس الأميركي جورج بوش والمحافظين الجدد ظهر في آخر تصريحات الوزير الفرنسي في سياق دفاعه عن مشروعه. فقد قال لصحيفة «لا كروا» في عددها الصادر في ٢٢ الشهر الجاري، أي بعد عودته من نيويورك: «ليس من العدل أن تجابه طوائف، تتكاثر عددياً في الفترة الأخيرة، صعوبة في ممارسة طقوسها». وأعطى مثالاً على ذلك «الطائفة المسلمة السنية والطائفة الإنجيلية».
وأثارت هذه الإشارة أكثر من علامة استفهام. ويقول أحد المراقبين إن الإشارة إلى «الإسلام السني» هو جديد على لسان مسؤول فرنسي، خصوصاً في ما يتعلق بالطائفة المسلمة في فرنسا. ويرى البعض أن ساركوزي إما عاد متأثراً بما «سمعه في واشنطن عن الهلال الشيعي والخطر الإيراني»، وأراد أن يكون «في أجواء ما يدور في واشنطن»، أو أنه يسعى إلى التقرب من بعض الأطراف المؤثرة في الجمعيات الإسلامية في فرنسا والمدعومة من دول معينة.
ويعجب هؤلاء لهذا التصريح، لأنه حتى اليوم، وبرغم محاولات إغراق منطقة الشرق الأوسط، من العراق إلى لبنان، في نزاع ذي لون مذهبي، فإن هذا الشق ظل بعيداً عن التيارات الإسلامية الفرنسية. ويضيف متابع للقضايا الإسلامية في فرنسا، أن القوانين الفرنسية تمنع أصلاً أي إحصاء أو استطلاع يشير إلى طائفة المواطن الفرنسي فكيف الحال مع المذهب؟
أما بالنسبة إلى الإنجيليين، فيرى المراقبون أن ساركوزي أراد أن يعطي «هدية مجانية» لجورج بوش وللكونغرس. ويذكّر هؤلاء بأن السلطات الأميركية كانت دائماً تضع فرنسا على لائحة الدول المقيِّدة للحريات الدينية بسبب منعها نشاط بعض الكنائس ومنها الكنيسة العلمية (سيانتولوجي) لأسباب مختلفة بعيدة جداً عن حرية المعتقد، التي يكفلها الدستور الفرنسي.
أضف أن وضع الإنجيليين مختلف عن المسلمين من ناحية العدد ومن ناحية وسائط التمويل، ولم تتحدث الصحافة يوماً عن مشاكل صادفت بناء مركز ديني إنجيلي.
وتنقل صحيفة «الباريزيان»، أن الرئيس جاك شيراك قد همس في أذن أحد المقربين منه «بأن سفرة الولايات المتحدة ستكون بداية مشاكل ساركوزي». ويبدو الأمر كذلك، إذ إن الضواحي الباريسية عادت لتحتل حيزاً من الصفحات الأولى في الإعلام، وبدأت بعض الصحف بإجراء جردة حساب لما استطاع الوزير تنفيذه من وعود في مجال إعادة الأمن والهدوء إلى المناطق التي شهدت موجات عنف منذ سنة ونيف.



قطيعة
يشير آخر استطلاع للرأي في فرنسا إلى أن ٧٥ في المئة من الفرنسيين لا يؤيدون «سياسة القطيعة» التي يروج لها نيكولا ساركوزي. وبين هؤلاء الرافضين، يوجد ٢١ في المئة من محازبيه، أي من تجمع الحركة الشعبية... حزب شيراك سابقاً الذي يعتقد الوزير أنه وضع اليد عليه.