بول الأشقر
اجتاز الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا الكثير من العواقب في حياته المدنية للخروج من حافة المجاعة في الداخل الصحراوي لشمال شرق البرازيل، والترقي إلى عامل «مخرطجي» في ضاحية سان بولو. كان قد واجه الكثير من الحواجز في حياته السياسية قبل الوصول إلى الكرسي الذي يجلس عليه اليوم.
سرّ هذا الوصول يكمن أصلاً في الأداة ـ حزب الشغيلة المعروف بـ«البي ـ تي» (PT) ـ الذي بناه مع آخرين عام 1979 والذي احتضنه وطوّره، وأيضاً في قدرة لولا الهائلة على «تلبّس» مشاعر الآخرين وطموحاتهم، بداية رفاقه في الحزب ثم ناخبيه الذين «اشتركوا» معه انتخاباً بعد انتخاب منذ عام 1989 وتوسعوا حتى صاروا أكثرية في عام 2002. وبعد يومين، أكثرية المئة وعشرة ملايين ناخب برازيلي ستعاود «مبايعته» مع أنها، جزئياً على الأقل، غير الأكثرية تلك التي اختارته قبل أربع سنوات.
يعاد انتخاب لولا لأنه أولاً ذاكرة الانتخابات الرئاسية، فهو مرشح منذ عودة الديموقراطية ويخوض الآن حملته الخامسة. وبالنسبة له، كانت الرابعة «ثابتة» وليست الثالثة. وإذا فاز كما هو شبه محسوم بعد يومين، فلا يحق له الترشح في الانتخابات المقبلة. يعاد انتخابه أيضاً بسبب ضعف أخصامه. ولكن كلمة حق تقال، يعاد انتخاب لولا أساساً لأنه أكثر رئيس ـ في تاريخ البرازيل ـ يشبه شعبه. هذا هو الجانب السياسي الأهم في وصول لولا وأمثاله إلى السلطة. إنه تكريس لتوسيع اللعبة الديموقراطية لخلق نخب جديدة من طبقات فقيرة ومناطق بعيدة ما كانت لتخرق، من قبله، جدار النخب الاقتصادية المرفوع حول السلطة، في ظل لعبة سياسية تجري في بلد هو الثاني في العالم من حيث سوء توزيع الثروة.
حصيلة ولاية لولا ناجحة بكل المقاييس، بحد ذاتها وبالمقارنة مع ولايات أسلافه. ولكنها محيّرة: ميزتها الأساسية ـ بعكس التوقعات ـ هي الاستمرارية. ولكنها استمرارية محسّنة إذا جاز التعبير. في الاقتصاد أولاً، وهو الموضوع الذي كاد يحول دون استلامه السلطة، لا شك أن الظروف العالمية قد ساعدت أداء معاونيه، ولكن لولا حسّن كل التوقعات الاقتصادية، إن عند أصحاب الأعمال أم عند الطبقات الفقيرة التي استفادت من خلق فرص عمل بالملايين ومن الارتفاع الفعلي للرواتب.
وفي البرامج الاجتماعية التي توحّدت وتعمّقت، ما يشكل سبباً كافياً لإعادة انتخابه. وفي السياسة الخارجية أيضاً، عرف لولا كيف «يتلبس» هموم دول الجنوب ومطالبها في تقاسم تجارة العالم وكيف يسند بوزن البرازيل البناء الإقليمي الأميركي الجنوبي بدمج البنى التحتية وموارد الطاقة وبأخذ مبادرات من نوع التي جمعت، في برازيليا قبل سنة ونصف، العالم العربي بالجزء الجنوبي من القارة الأميركية.
يبقى الملف السياسي. وبعكس التوقعات، لم يبل لولا أداءً حسناً فيه. هنا، مبدأ الاستمرارية ارتدّ عليه وكاد أن يبتلعه. بعد سنة أولى سهلة، اكتشف لولا فقدانه للأكثرية السياسية. وبدلاً من وضع وزنه الشعبي لإقرار إصلاح سياسي حاجته صارخة في النظام السياسي البرازيلي، فضّل المماطلة وحاول مداورة المشكلة بعقد اتفاقية جانبية مع أحزاب صغيرة انتهازية، فتورط أقرب معاونيه، ومنهم جوزي ديرسو، زعيم «البي ـ تي» التاريخي، الذي كان يحتل فعلياً منصب رئيس الوزراء، في صفقات أعادت، لا بل طوّرت، أسوأ عادات الحياة السياسية البرازيلية من رشوة أو تقاسم نفوذ أو تمويل غير شرعي للحملات الانتخابية. فاختلّ عرش لولا وكاد يغرق في الفضائح المتتالية، وآخرها الأسبوع الماضي عندما قبض على معاونيه، وجميعهم من «البي ـ تي»، وهم يحاولون شراء ملف فضائحي ضد أخصام سياسيين.
أما جانب آخر من مشكلة لولا السياسية، فهي أن الـ«بي ـ تي» الذي أوصله حيث وصل ـ مع أن شعبية لولا كانت دائماً، ولا تزال، تفوق بأضعاف شعبية حزبه ـ لم يعد أداة كافية لمتابعة مشاريع لولا الرئيس، الذي يدري أن القسم الأكبر من الإرباكات، التي وقع فيها، أتت من صفوف حزبه.
لأنه قيادة خارقة لا مثيل لها في برازيل اليوم، نجح لولا في تخطي العاصفة، ويكفي عن حق أن يطالب بمهلة لتطوير مشاريعه ليجدد البرازيليون له ثقتهم. ولكن نجاح ولايته الثانية في العمق مرهون بقدرته على إعطاء أجوبة جديدة في المجالات التي لا تخدم فيها «الاستمرارية».