رام الله ــ سعيد الغزالي
النظرة ليست واحدة. كل يسير وفق حسابات الربح والخسارة؛ فكثير من المسؤولين الفلسطينيين يرون في انتصار حزب الله في الجنوب اللبناني مأزقاً يحتاج إلى البحث عن مخرج منه، اعتبر كثيرون أنه قد يكون بحل السلطة وإحياء خيار المقاومة
لم يكن حزب الله مشاركاً في اجتماع فندق «غراند بارك» في رام الله، بعدما أسقط المجتمعون انتصاره من حساباتهم. كان المجتمعون، وتحديداً أولئك الملحقين في مهانة بأميركا وأخواتها،

جالسين حول الطاولات المستديرة في الفندق حائرين، قلقين، حاقدين على حزب الله، كمثال لموقف مقاوم. كانوا يحاولون، خلال ثلاث ساعات من النقاش، الإمساك بالقشة التي تنقذهم من المأزق الذي يغرقون فيه.
في الجانب الشعبي، كان انتصار حزب الله صدمة صحو لوجدان الفلسطيني المقاوم، الذي تأكد من حقيقة إسرائيل، بوصفها كياناً غريباً مدمراً وعدوانياً، تجب مقاومته. يقول المفكر اليساري عادل سمارة: «لقد قدم حزب الله لنا نموذجاً في المقاومة. قال لنا إن الوضع المقاوم ليس في حالة انسداد، والمهم لنا في هذه المرحلة ألا نخون. وأن نقاوم».
لم يكن الصوت المقاوم مسموعاً في ندوة فندق «غراند بارك»، بل نظر إلى حزب الله، تلميحاً لا تصريحاً، بوصفه حزباً سيخضع لقرار مجلس الأمن الذي يتضمن طرده من الجنوب ونزع أسلحته. وصلوا بسياراتهم الفارهة يوم الأحد، قبل يوم من إعلان وقف إطلاق النار، ليتداولوا مصير السلطة ومستقبلها بعد زلزال لبنان.
كانوا أولئك الرموز أنفسهم الذين تربعوا على كراسي الوزارات، ومناصب منظمة التحرير، وتنظيماتها المحنطة، وتدثروا بمعاطف «المجتمع المدني» المدعوم أميركياً وغربياً، لخدمة «قضايا مجتمعية» في «الكوكب العاشر»؛ فضيّعوا سبعة مليارات من الدولارات، هي «الريع السياسي»، بحسب تعبير سمارة، المقدم من الدول المانحة، خلال حكمهم، وتحكمهم بمفاصل الشعب الفلسطيني منذ اتفاق أوسلو عام 1994.
كيف سيكون مستقبلهم؟ وما هو مصير سلطتهم التي تموت صلاحياتها وتدمر مؤسساتها، ويعتقل وزراء حكومتها، وأعضاء مجلـــــسها الشـــــرعي؟
كان السؤال يشكل تحدياً. استمع إليه نحو 80 شخصاً من المجتمعين.
المبادر لهذه الندوة، كان وزير العمل السابق غسان الخطيب، واستثنى منها مفكرين مستقلين وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ورجالاتها.
لم يخرج المجتمعون بحلول، وكانت مداخلاتهم عبارة عن أفكار غير مترابطة أو مقنعة. جاء الحل من أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت علي الجرباوي صادماً للمجتمعين «فكفكوا السلطة، بعد أن تركبوا لها أسنان».
ووفق اقتراح الجرباوي الإصلاحي، يتوجب على السلطة، بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية، أن تعلن أنها ستحل نفسها في غضون ستة أشهر أو أكثر، إن لم يمارس العالم ضغطاً على إسرائيل لبدء مفاوضات جدية تنتهي بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
والقوة الضاغطة، بحسب رأي الجرباوي، في كون إسرائيل والقوى الإقليمية العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا ترغب في أن تعلن وفاة السلطة. ويرى أن وجود السلطة ضروري، ليس ضرورياً من أجل إنجاز الاستقلال، بل «إن استمرار وجودها هدف وغاية في حد ذاته، لإسرائيل ولأطراف إقليمية، وفلسطينية».
أما الشعب الفلسطيني، فيرى أن هذه السلطة عاجزة عن الدفاع عن أمنه ومصالحه الحقيقية. وأخيراً، بعد فوز «حماس» في الانتخابات، سلطة بحكومة محاصرة دولياً، يمنع «دخول حتى الهواء» إليها. ورغم ذلك، فإن ثلث الشعب الفلسطيني يعتمد عليها في معيشته، بأموال الدول المانحة.
لقد دمرت إسرائيل وزارتي الداخلية والخارجية اللتين تمثلان رموزاً للسيادة، مبقية على الوزارات الأخرى التي تقدم الخدمات، ومحولة الكيان الفلسطيني إلى رجل خشبي لا يتحرك إلا ببطاريات شحن إسرائيلية وأميركية.
«ماذا تبقى لكم؟»، تساءل الجرباوي مستفزاً «العقول الواهنة» من الوزراء السابقين، الذين أصبحوا عاطلين من العمل، لكنهم وفق تعبير سمارة، «لديهم جاهزية لأن يبيعوا مكة» في سبيل عودتهم إلى مناصبهم، ومراكزهم في الحكومة. يرى سمارة، في ضوء انتصار حزب الله في لبنان، أن دور السلطة، وموظفيها الذين يزيدون على 160 ألفاً يجب أن يقتصر على تقديم الخدمات للمواطنين، من دون أن تتورط في المشاريع السياسية الاميركية والإسرائيلية.