باريس ــ بسّام الطيارة
انتقل “الخوف من المستنقع اللبناني” من الجانب الإسرائيلي إلى... الأمم المتحدة. تساؤلات محقة تطرحها الدول المرشحة للمشاركة في القوة الدولية،
وهي تستحق طلب الإجابة والتوضيح، وأهمها “هل من صلاحياتها
الرد على أي اعتداء إسرائيلي على لبنان؟”.

بات عدم ارتكاب هفوة هاجس قادة أركان القوات الدولية لإدراكهم تعقيدات القرار ١٧٠١، بينما لا تزال دول أوروبية عدة تتردد في إعلان مشاركتها صراحة في هذه القوة، بعد إعلان وقف النار.

وتبيّنت منذ الاجتماع التقني الأول للدول الراغبة في المشاركة بالقوات الدولية يوم السبت ١٢ الماضي، أي قبل وقف العمليات العسكرية، صعوبة المهمة التي تنتظر قوات اليونيفيل “المجدد لها”. وحضر الاجتماع التمهيدي 17 دولة “مستعدة للمساهمة إذا كانت ظروف التنفيذ وشروطه على الأرض ملائمة”، بحسب قول أحد المشاركين.
واكتشف المجتمعون، منذ اللحظات الأولى، العقبات التي يمكن أن تعترض عمل القوات الدولية، والتي “تثيرها صيغة القرار وطريقة تركيب بنوده وتشابكها”. فالقرار يجعل من القوات الدولية، بحسب تعبير مسؤول دولي «أكثر من قوات مراقبة لوقف للنار وأقل من قوة فرض وقف للنار وتأمين السلم” في المنطقة. وتبيّن أيضاً أن مهمات القوات المنوي تشكيلها حُشرت في مختلف بنود القرار بشكل “معقد وغريب”، إضافة إلى التناقض الحاصل بين ما هو مذكور في البنود التمهيدية والبنود التنفيذية، وهو ما يفسح المجال لمختلف التأويلات بشأن مهماتها على الأرض.
وترفض الديبلوماسية الفرنسية الدخول في مقولة “التأويلات” وتشدّد على أن النص صريح وواضح ولا مجال لأي تفسير خارج “روح القرار المبني على إجماع دولي”. غير أن مصادر مقربة من المفاوضات التقنية، تعترف بأن “تركيبة القرار” مبنية على “إيهام بناء” كان الهدف منه الوصول إلى قرار بالإجماع.
وترى بعض الدول المشاركة أن القرار، بحسب تفسير إسرائيل له وحسب التصريحات التي صدرت عن مسؤولين في حكومة تل أبيب، “لا يؤمّن الحد الأدنى الضروري لسلامة جنودها”، خصوصاً في ما يتعلق بالبند التنفيذي الأول، الذي يظهر جلياً “حق إسرائيل في القيام بأعمال يمكن أن تراها دفاعية”. وتساءل أحد ممثلي الدول، أمام تفسير هذا البند “ما العمل إذا قررت القوات الإسرائيلية تمشيط منطقة لاعتبارات دفاعية وردّت قوات حزب الله على النار؟ هل يحق للقوات الدولية التدخل؟ وإذا تدخلت فهل تكتفي بالرد على قوات حزب الله؟”.
ويدرك قادة القوات الدولية أن “وجود هذه الأسئلة التي لا إجابات واضحة لها، يردع الكثير من الدول عن تقديم عروض للمساهمة بالقوات الدولية”. ويقول ديبلوماسي فرنسي، طلب عدم الكشف عن اسمه “هذا برهان على أن المسألة تتجاوز وضع القرار تحت البند السابع أو السادس من ميثاق الأمم المتحدة”. ويستطرد بأن القرار الجديد عبر البند ١٢ يسمح للقوات الدولية باستعمال “وسائل القوة” عند أداء مهمتها، غير أن الحل ليس مبنياً على تفسير القرارات أو على القوة العسكرية بل على “التفاوض السياسي”.
ويتخوف قادة العمليات الدولية، يشاركهم في ذلك القادة الفرنسيون الذين من المفترض أن يقودوا “اليونيفيل”، من أن تحوم الشبهات حول “تواطؤ بين القوات الدولية والقوات الإسرائيلية”. ويصف مراقب ذلك بأنه “سيناريو كارثي”، خصوصاً بعد الاتهامات التي وجهت للأمم المتحدة بالوقوف مكتوفة الأيدي أمام مشهد “تدمير لبنان” والحرب الدامية التي استمرت أكثر من شهر.
ومن هنا الأهمية التي تعطيها اللجنة التقنية، التي اجتمعت أول من أمس، لتحديد مهمات القوات الإجرائية “بالتفصيل ووضع أدق الخطط لمواجهة الاحتمالات كلها”.
وفي السياق نفسه (أ ف ب، أ ب، رويترز، يو بي آي)، أعلنت تركيا أنها ستنتظر إصدار مجلس الامن الدولي قراراً بشأن انتشار قوة دولية في لبنان قبل ان تقرر المشاركة فيها او لا. وقال مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في بيان: “على مجلس الأمن أن يتحلى بمزيد من الوضوح عند إصدار قرار جديد” حول شروط انتشار هذه القوة.
ونقلت وكالة «ايتار تاس» الروسية عن وزارة الخارجية الروسية تأكيدها أن موسكو تدرس امكان المشاركة في القوات الدولية، الا انها لم تتخذ بعد قراراً في هذا الشأن. وأوضحت الوزارة أن «روسيا ستتخذ قرارها بشأن المشاركة في اليونيفيل بعد أن تحلل الوضع».
حتى باريس لم تحسم مستوى مشاركتها. فقد أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس ستحدد مستوى مشاركتها في تعزيز قوة الامم المتحدة العاملة في لبنان بعد أن تقدم الامم المتحدة «مفهوم العمليات» الذي سيسيّر عمل القوة الدولية. وقال مساعد المتحدث باسم الوزارة دوني سيمونو «الامانة العامة للامم المتحدة ستقترح سريعاً مفهوماً للعمليات. وعلى هذا الاساس سنتخذ القرارات المناسبة». وأضاف ان تعزيز القوة الدولية يجب ان يتم «في اسرع وقت ممكن بعد تحديد آليات تحركها». وأعلنت اسبانيا عن إمكان مشاركتها في قوة موسّعة تابعة للامم المتحدة في لبنان بـ 700 عسكري.
وفي جاكرتا، قال مساعد رئيس الأركان لشؤون العمليات الجنرال بامبانغ دارمانو، إن كتيبة آلية من الجيش الإندونيسي مستعدّة للتوجه الى لبنان عندما تطلب منها الأمم المتحدة ذلك..