حرب العصابات” التي استخدمها مقاومو حزب الله في الجنوب اللبناني، وأثبتت فعاليتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، كانت محور كتاب ألفه المفكر الصيني سون تزي قبل 2500 عام، وخصصه لتأكيد أن نموذج هذه الحرب هو الوسيلة المثلى للانتصار على جيش نظامي ضخم. ويرى سون تزي، في كتابه “فن الحرب”، أن القوات القليلة العدد، التي تتخذ موقع الدفاع، يجب أن تكون مدفونة في الأرض حتى لا يراها العدو، وأن اتخاذ موقع كهذا في حالة عدم تكافؤ القوى لا يعني السلبية، بل خلق الظروف المناسبة لاستنزاف الجيش المهاجم. فالبراعة هي الجمع بين صد الهجمات وشن الهجوم المباغت.
وهو ما حدث فعلاً في لبنان، حيث حاصر الجيش الإسرائيلي البلد وهدم بنى تحتية وأحياءه السكنية، لكنه لم يتمكن من إضعاف القوة القتالية لمقاتلي حزب الله. ويقدر مراقبون أن عدد قتلى إسرائيل من الجنود والضباط في الحرب التي استمرت أكثر من شهر يزيد على عدد ضحايا المقاتلين اللبنانيين.
وصدرت ترجمة النص الأصلي لكتاب “فن الحرب”، الذي كتبه سون تزي باللغة الصينية الكلاسيكية، مع شروح وتفسيرات معاصرة بالصينية الحديـــثة.
وقال مترجم الكتاب إلى اللغة العربية، هشام موسى المالكي، في المقدمة، إن الكتاب، الذي ألفه تزي في العام 500 قبل الميلاد، حظي بشهرة عالمية في كل العصور وترجم إلى كثير من اللغات حتى أطلق على مؤلفه تزي لقب “رسول المحاربين”، وقال عنه اليابانيون: “إن تأثير سون تزي على الفكر العسكري وبناء الجيش الياباني قد تجاوز إسهامات الشخصية العظيمة في تاريخ اليابان قديماً وحديثاً. أما نابليون (بونابرت) فقد كان لا يكف عن قراءة كتاب فن الحرب حتى في غمار المعارك”.
كما أشار المالكي إلى أن الرئيس الأميركي روزفلـــــت كان دائـــم الاطلاع على هذا الكتـــــاب، مرجحاً أن عدد مرات قراءته لــــه قارب المئة، لكنه لم يحدد هل المقصـــــود هو تيــــــــودور روزفلــت، الذي حكم الولايات لثماني سنوات ابتداء من العام 1901، أم فرانكلين روزفلت، الذي انتخب ثلاث مرات متوالية ابتداء من العام 1932.
ويعيد كتاب “فن الحرب” الاعتبار إلى أهمية حرب العصابات بالنسبة للجماعات الصغيرة التي تقاوم على أرضها جيشاً نظامياً كبيراً. وكرر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من مرة أن مقاتليه ينتهجون طريقة حرب العصابات في مواجهة هجوم الجيش الإسرائيلي على لبنان. ويقول مراقبون إن مقاتلي حزب الله، الذين لا يراهم أحد، نفذوا استراتيجية التمويه والتخفي كما نصح بها الحكيم الصيني في القرن الخامس قبل الميلاد.
وسبق أن نجحت حرب العصابات في فيتنام في التصدي لأقوى الجيوش، وهو الجيش الأميركي، حيث اضطرته للانسحاب بعد سنوات من إنهاكه واستنزافه منذ أرسلت الولايات المتحدة مئات الآلاف من جنودها إلى فيتنام في مطلع ستينيات القرن الماضي وجربت قواتها معظم الأسلحة باستثناء الأسلحة النووية، لكنها فشلت في التصدي للثورة الشعبية وحرب العصابات حتى اندحر الغزو الأميركي في العام 1972.
(رويترز)