رفح ــ «الأخبار»
حزم حقائبه، وأعد أوراقه، للمرة الثانية في غضون أسبوع. لم يعد أمام الشاب الفلسطيني خضر الجمالي إلا أن يطبع قُبَل الوداع على جبين زوجته وأطفاله، قبل أن ينطلق صباحاً إلى معبر رفح الحدودي مع مصر، للالتحاق بدراسته العليا في معهد الدراسات والبحوث العربية في العاصمة المصرية القاهرة.
استيقظ الجمالي (33 عاماً) عند الساعة الخامسة فجر أمس، والأمل يحدوه بأن يتمكن من اجتياز المعبر هذه المرة، بعدما فشل في محاولته الماضية، لكن آماله تحطمت عندما تناهى إلى مسامعه خبر رفض سلطات الاحتلال فتح المعبر كما كان مقرراً، والذريعة دائماً واحدة «إنذارات أمنية ساخنة».

كان مواطنو غزة، الذين أصبح السؤال عن المعبر دارجاً على ألسنتهم، قد تناقلوا أن المعبر سيفتح على مدار ثلاثة أيام متتالية ابتداءً من يوم أمس، غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ادّعت أن مقاتلين فلسطينيين أطلقوا قذيفة هاون قرب المعبر، إضافة إلى إنذارات أمنية، دفعتها إلى إبقاء المعبر مغلقاً.
وقال الجمالي لـ«الأخبار»، «حصلت على إجازة من عملي كمدير لدائرة العلاقات العامة في كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية في غزة، وجهزت كل ما يلزم، ولكن كالعادة لا عهد ولا وعود لقوات الاحتلال».
ولم يُخف أنه بدأ يفقد الأمل شيئاً فشيئاً، وقال «لن أحاول السفر مجدداً إلا إذا عاد العمل في المعبر بشكل طبيعي، لم أعد قادراً على احتمال الذل والمعاناة ومشاهد التزاحم والاقتتال».
وتبدو مشاهد آلاف المسافرين على الجانب الفلسطيني من المعبر، وهم يتدافعون، مثل «يوم القيامة»، وفقاً لوصف الجمالي، الذي يعدّ واحداً من مئات الطلاب في قطاع غزة، الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بدراستهم في الجامعات العربية والأجنبية بسبب إغلاق المعبر.
ودخل إغلاق المعبر شهره الثاني على التوالي، حيث لم تسمح سلطات الاحتلال خلالهما إلا بفتحه أياماً معدودة، منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع أواخر حزيران الماضي.
وبحسب الجمالي، كان يفترض أن يحصل على شهادته منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لكن محاولاته الكثيرة السابقة للسفر كانت تصطدم إما بالازدحام أو بإغلاق المعبر.
وقال مدير وحدة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت، إن «سلطات الاحتلال حرمت من هم دون عمر الـ35 مغادرة القطاع من خلال معبر رفح لنحو 16 شهراً منذ عام 2002، فضلاً عن فترات الإغلاق المتكررة التي حرمت جميع الفئات العمرية السفر».
ووفقاً لتقديرات فلسطينية فإن أكثر من خمسة آلاف فلسطيني في القطاع، من بينهم طلبة ومرضى، ينتظرون إعادة فتح المعبر كي يتمكنوا من السفر للدراسة والعلاج.
وفي محاولة منها لتخفيف حدة الازدحام والتسهيل على الفئات المضطرة إلى السفر، حددت وزارة الداخلية والأمن الوطني الفلسطينية الأولوية في السفر للطلبة والمرضى وحاملي الإقامة في الدول الأخرى، غير أن هذه المحاولة لم تفلح في منع تدفق الآلاف إلى المعبر، وحتى إبراز بعضهم السلاح بدلاً من جواز السفر.
معاناة الفلسطينيين على معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي، دفعت الحكومة الفلسطينية إلى العمل على إعداد ملف قانوني للنظر في "بروتوكول المعبر" الذي جرى توقيعه بين السلطة والدولة العبرية برعاية أميركية، بعد شهرين من الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من القطاع في أيلول الماضي.
وتعكف لجنة قانونية في وزارة الشؤون الخارجية على إعداد الملف القانوني في البرتوكول الذي ينتهي العمل بموجبه في تشرين ثاني المقبل، وفقاً للمتحدث باسم الوزارة طاهر النونو.
وقال النونو لـ«الأخبار» إن «اتفاق (بروتوكول) المعبر ينص على دراسته ومراجعته بعد مرور عام، ومن حقنا العمل على تعديله إذا كان لا يخدم المصالح الفلسطينية». أضاف إن «الوزارة تسعى إلى أن تكون السيطرة على المعبر فلسطينية مصرية من دون تدخل إسرائيلي».
يُذكر أن المعبر يعمل في ظل وجود رقابة أوروبية مباشرة، في حين تراقب إسرائيل العمل إلكترونياً من خلال كاميرات مراقبة وأجهزة تحكم في معبر كرم سالم المجاور، الذي تعرضت المواقع العسكرية المحيطة به لعملية «الوهم المتبدد» الفدائية.