القاهرة ــ وائل عبد الفتاحموضوع الجيش محرّم في مصر، وكذلك الرئيس. لكن المعارضة كسرت «تابو» الرئيس، ووصلت الصحف الى حد استخدام عناوين مثل «الرئيس خائن». اتهام يبدو أنه أزعج الرئاسة للمرة الأولى. «العقلاء» في حاشية الرئيس يفكرون في طريقة يصدّون بها موجة النقد الجارح أو «التطاول» كما سماها المقربون من الرئيس في صحف صدرت لترد على المعارضة بالسلاح نفسه: شتائم ضد شتائم. فقد الرئيس «قداسته»، وكان هذا كل شيء بالنسبة لحركة سياسية لم تكسب سوى شتيمة الرئيس في الشارع والصحف والنكات على الهواتف الخلوية.الرئيس يشكو، وصحافته تقول ان الشتائم وصلت الى حد لا يحتمل. ماذا يفعلون؟! هل يقدم الرئيس بلاغات في قسم الشرطة؟! هل يذهب الى المحكمة؟ في قانون الصحافة الجديد، جرى تمرير مادة اسمها «الاساءة الى الرئيس» وعقوبتها السجن. لكن للرئيس هيبته يقول المستشارون، فما الحلّ؟ الحلّ بسيط: شكوى موقعة باسم شخص يُختار الآن بعناية، لتقدم قريباً الى نقابة الصحافيين وتطالب بمحاسبة «المتطاولين». هذه مقدمة لحرب جديدة على الصحافة تهدف هذه المرة الى إعادة الخط الأحمر القديم: الرئيس وعائلته.
ستطالب الشكوى بتطبيق ميثاق الشرف الصحافي. وهذا يعني تسليم الأسلحة من الطرفين، وكما توقف صحيفة «الكرامة»، صاحبة عنوان خيانة الرئيس، تهجماتها، تتوقف «روز اليوسف» وتعتذر للأستاذ محمد حسنين هيكل عن حملة «الألعبان».
خطة يريدها العقلاء ذكية تعيد للرئيس هيبته من دون خسائر ظاهرة، بينما يعدّها «المتهورون» معركة دماء ويرون فيها صحفاً تغلق وصحافيين وراء القضبان.
المثير أن المعارضة غير مستعدة للتراجع، فشتيمة الرئيس مكسبها الوحيد، بل سلاحها الأخير، فالرئيس هو النظام.
وما دامت السياسة مؤجلة، سيبقى حق شتيمة الرئيس «واجباً وطنياً»، وفي المقابل ستستمر محاولات إعادة الصحافة الى «بيت الطاعة» بعد صدمات متتالية نتجت عن كسر السقف السياسي ووصول النقد الى الرئيس وعائلته وثروته، وهي موضوعات كانت محرمة قبل سنتين تقريباً.
من ناحية أخرى، فإن الكلام عن الجيش أو عن سياساته يعدّ خيانة وطنية أيضاً.
أسبوعية «الفجر» نشرت أمس تقريراً قالت إنها حصلت عليه من هيئة الرقابة على المطبوعات. التقرير هو من كتاب بعنوان «الجيش والسياسة في مصر مبارك» لباحث اميركي اسمه روبرت ستالوف، وصادر عن معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» ضمن سلسلة «أوراق سياسية». والباحث يبدو أنه خبير في الشرق الأوسط، والكتاب هو حصيلة جولته الى مصر والأردن سنة 1987. ويُفهم من التقرير بعض الحقائق الخطيرة، في مقدمها أن مصر وجيشها هما تحت الرعاية الاميركية، وأنه بالنسبة للنظام، يؤثر النظر في وضع الجيش على المصالح الأميركية مباشرة. ويرصد البحث تأثير إبعاد مصر عن المواجهة العسكرية وعن فكرة اختراق الجيش من قبل الجماعات الاسلامية، وهي وقائع يذكرها الباحث بـ«ثقة الحقيقة». كما يتحدث عن دور رجال مثل عبود الزمر، الذي كان يعد خطة انقلاب عسكري عام 1981 قبل اغتيال الرئيس السابق أنور السادات، لكن خطة خالد الاسلامبولي قطعت الطريق على الخطة التي كان من المفترض أن تنفذ بعد ثلاث سنوات، فخرجت غير ناضجة وفشلت لكنها أبقت ذيول الجماعة في الجيش.
هذه حقائق غير معلنة في مصر بشكل يتيح المناقشة والتأمل والتحليل، بل والمحاسبة. إنها معلومات محرمة وصل إليها باحث أميركي، وكتب، بناءً عليها، تحليلات تقول إن دور الجيش المصري والرئيس تغيّرا وقوتهما مستنزفة.
كلام خطير يخدش محرمات السياسة في مصر، أكثر من مجرد الشتائم. لكن النظام سيكتفي بمصادرة الكتاب ومصادرة النقاش حوله، ويترك فقط السجال حول شتيمة الرئيس.