فلسطين… متى؟
حسام كنفاني

خجولة أطلّت فلسطين خلال أيام العدوان على لبنان، فلم تظهر جلية في خطابات الزعماء ولم تكن حاضرة في اجتماعات مجلس الأمن. كانت تجلس في المقاعد الخلفية تنتظر دوراً لن يأتي. تترقب هذا التسارع الأممي لوقف العدوان على لبنان، مستغربة، هي التي تعيش منذ 60 عاماً عدواناً متواصلاً لم يتحرك خلاله ما يُسمى المجتمع الدولي ولا القمم العربية أو الإسلامية. فالبيانات المتخمة بالتنديدات والإدانات على مدى سني الاجتماعات لم تسمن القضية ولم تغنها من جوع.
شاخت هذه القضية على مقاعد الانتظار، وتعبت من كثرة الاستغلال، فهي قاطرة للمنتفعين والانتهازيين والوصوليين، لكنها لا تنسى أفضال الثوار الحقيقيين وتقديماتهم وتضحياتهم لها، وهي تراهن على أن التاريـــــــخ سينصـــــــــفهم، حتى لو دخلوا الآن طيّ النسيـــــــــــان، ولم تســــــعفهم أضواء الإعلام أو المنابر الخطابية أو طاولات المفاوضات، لاسيما أن خيارهم أثبت وسيثبت نجاعته في إيصال القضية إلى برّ السلام.
كانت فلسطين، على مدى أعوام طوال، محور الحراك العربي وملهمته. فما من انقلاب أو قانون طوارئ، أو قمع حريات، إلا كانت قضية الشرق الأوسط وفلسطين سببه المعلن. لكن القضية منها براء، فهي، التي تعيش عاصفة الاعتداءات المتواصلة، أعطت أكثر من مثال على ديموقراطية الأراضي المحتلة وقدرتها على تحمّل النقد والاختلاف رغم وجود خلافات قد تسيء إلى مسار القضية وتعكّر على أهلها وحدتهم وأمنهم.
اليوم تنظر فلسطين إلى أشقائها والمجتمع الدولي نظرة عتب، فأراضيها تعيش على وقع مسلسل لا ينتهي من الاعتداءات الإسرائيلية، لكنهم لم يحركوا يوماً ساكناً، ولم يُجمعوا يوماً على إرسال وفد موحّد للدفاع عن قضيتها في المحافل الدولية، ولم يتحدّوا حصارها يوماً لعقد اجتماعات تضامنية، كما حصل في لبنان.
مسكينة هذه الفلسطين. تظن أن الخوف على لبنان كان دافع الاتصالات المتسارعة. لم تكن تدري أن الدافع كان الخوف من لبنان ومقاومته، وتسجيل نصر ثان للتاريخ على الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي قد يؤذي مراكزهم وأسباب وجودهم، ويحرجهم أمام شعوبهم، ولكي يبقى «الجيش الذي لا يقهر، لا يقهر».
إنه ليس الخوف على لبنان بقدر ما هو الخوف على إسرائيل. إنه منطق القوة السائد في العالم، وفلسطين لن تشهد حراكاً سياسياً دولياً، ما دامت إسرائيل غير محرجة بعدوانها على قطاع غزة والضفة الغربية، وما دامت تستبيح الدم الفلسطيني بسهولة من دون أن تكون معرضة لضربات قاسية من المقاومة، ومن دون أن تنهمر الصواريخ على مدنها الرئيسية، ومن دون أن تكون مدرعاتها وبوراجها وطائراتها أهدافاً سهلة للمقاومين، كما كانت الحال في جنوب لبنان.
فلسطين تحتاج إلى انتفاضة ثالثة، تفجّر خلالها الصمت الدولي وتحرّك ركوده، وبغير ذلك فالقضية ستــــــــــبقى في محطة الانتظار الدولية.