الناصرة ــ فراس خطيببعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، اتسعت الحركات الاحتجاجية الإسرائيلية في صفوف جنود الاحتياط نتيجة أداء المستويين العسكري والسياسي، وإدارتهما للحرب على لبنان، الذي وصفه احد الضباط بـ«أداء جلب الهزيمة لإسرائيل»، في ظل مناخ من الغضب وصل الى حد الشعور بالضياع لدى الكثير من الجنود العائدين.الا ان هذه الحركات الاحتجاجية ــ تماماً مثلما أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب ــ تخلو من هدف محدد؛ فهناك من جنود الاحتياط من يدعو إلى «قطع الرؤوس كلها والمضي قدماً»، في مقابل من ينادي بـ«التروي قليلاً»، معتبراً ان القضية تنبع من «إهمال سنوات». لكنّ جميعهم متفق على أنّ حرب لبنان الثانية خلّفت «انكساراً كبيراً لإسرائيل وخيبة أمل ومرارة وشعوراً بالحاجة لفعل شيء ما»، حسبما جاء في تصريحات لـ«قادة الاحتجاج» من كتائب الاحتياط التي خدمت في لبنان إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت». وهذه المرة جاءت الاحتجاجات مع أسماء وصور وليست مجرد شهادات لا يعرف مصدرها.
ويقول أساف دافيدوف، أحد جنود الاحتياط، «عندما تجندنا، منذ اللحظة الأولى، فهمنا أنّ هناك فوضى عارمة تسود الأجواء. وعندما دخلنا القتال، فهمنا عدم الوضوح في كل شيء، وعدم اتخاذ القرارات السليمة وأنّه لا أحد يوجهنا للطريق الصواب. علينا العمل على تحسين الجيش الإسرائيلي وعلاجه وإعادته إلى ما كان عليه، إلى الجيش الأقوى في العالم. وهذا لن يتم بوجود (رئيس الوزراء إيهود) أولمرت و(وزير الدفاع عمير) بيرتس و(رئيس الأركان دان) حالوتس».
ويتابع يوسي ليفي، وهو ضابط آخر، «جنّدونا بعد عشرة أيام من اندلاع الحرب. كان الوقت كافياً لتجهيز أنفسنا، ولكن عندما وصلنا إلى هناك، فهمنا أن الجيش لا يعرف ماذا يريد من نفسه ومنا. تغيرت الخطط ثلاث مرات. وصلنا الى الحدود مرتين وعدنا من دون أن نفعل شيئاً. هذا من شأنه أن يدمّر الإنسان نفسياً. كان الخوف ينتابنا من دخول لبنان. كنت أجلس وأتحدث مع زوجتي والأولاد وأطلي وجهي بألوان المعركة وأستعد للدخول، وفجأة، يقولون لك لا تدخل... لقد صرخ واحد منّا هناك، لندخل ونمت في لبنان، الموت أسهل مما تفعلونه بنا، هذه جهنم».
«وضعوا ثلاثة أهداف للحرب»، قال جندي يدعى بوعز ايزنشطريك، مشيراً إلى أنه «لا شيء من الأهداف تحقق. وكانت 200 صاروخ من الكاتيوشا تقع على رؤوسنا يومياً، حتى اليوم الأخير».
وتابع آخر «أعتقد بأنّ من تجند معي في الطاقم، مر بانكسار ليس سهلاً. لقد حصل في حروب أخرى أن يكون هناك نقص في الماء والطعام وعدم وضوح في القرارات وما شابه، ولكن لم يحدث شعور صعب مثل الشعور الذي انتابنا بعد الحرب. كان شعوراً بعدم الثقة بالقادة، وهذا شعور صعب».
ويستطرد جندي آخر يدعى يرون ليفي «لا أشعر فقط بأنّه لم تكن هناك يدٌ توجهنا، بل بأن هناك يداً وُجّهت ضدنا. لقد فضلوا التضحية بجنود إسرائيل وسكان الشمال. ربما بالغت، ربما لم يكن مقصوداً، لكنّ هذا ما حدث».
ويقول جندي من الاحتياط، يدعى دعال ليفي، «وقع شيء ما في إسرائيل. هذه المرة الأولى التي لا يستطيع فيها الجيش الإسرائيلي تحقيق انتصار بصورة ما. تحطمت كل قيم الحرب التي تعلمناها. لم أجلس على مقاعد الحكومة ولا على كراسي متخذي القرارات، لكنّي أعرف شيئاً واحداً: لا يديرون حرباً هكذا. أشعر بالخوف من الحرب المقبلة، نحن نعرف جيداً أنّها ستحدث بعد أشهر. ولكن إذا أتى الجنود في هذه الأجواء، فأنا متأكد من أنّ روحهم القتالية ستنكسر، وممنوع أن نتوصل إلى هذا».
لكنّ هذه الاحتجاجات والشهادات التي تملأ أفق الصحف العبرية قاطبة، ليس من المؤكد أن تساعد، فقد كشف المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، عن أنّ «الفشل في الأجهزة العسكرية الذي كُشف عنه أخيراً موجود في ملفات مراقب الأجهزة الأمنية قبل 12 تموز (تاريخ بداية الحرب) بكثير»، مشيراً إلى أنّه «لا أحد من المسؤولين الإسرائيليين نظر إلى هذه التوصيات قبل دخول لبنان».
ويبيّن فيشمان أنّ «الملفات السابقة» كشفت «ظواهر خطيرة كان أبرزها تقديم الضباط إفادات كاذبة في حينه، حيث أبلغ قادة الجيش المراقب بأنهم نفذوا 80 في المئة من توصياته وكل الأخطاء تم تصحيحها».
لكنَّ فيشمان ليس متفائلاً من «استخلاص العبر» من هذه الحرب. واعتبر أن الجيش الاسرائيلي خاض «تجربة تحمل في ثناياها الكثير من المشاكل في ما يتعلق بموضوع استخلاص العبر»، مبيّناً أنّ الجيش بنى «مصنعاً ضخماً للتحقيقات بعد حرب لبنان الأولى عام 1982، تضم 14 طاقماً تمخض عنها 14 كتاباً من القطع الكبير. ومرّت ثلاث سنوات، وتبدل القادة، فامتلأت الكتب والقرارات بالغبار وتحولت إلى قطع أثرية». ويشير إلى إمكانية «سقوط حكومة أولمرت لأنّ الجنود لم يجدوا ما يأكلونه. لقد تحول الجوع والعطش واقتحام الحوانيت بحثاً عن الطعام إلى رمز لحرب لبنان». ويختم فيشمان بالقول «عندما يبقى الجنود في ساحة المعركة أياماً من دون أن يعرف قادة المنطقة كيف سيوفرون لهم الطعام والماء، فإنّ هذه ليست قضية خلل تقني، هذا خلل خطير يدل على أنّ الجبهة العسكرية ليست مهنية».