علي شهاب
استندت الاستراتيجية الإسرائيلية، في شقها العسكري خلال الحرب، على ضرب مقوّمات صمود شيعة لبنان وإضعافهم، لتبدأ بعد ذلك الحملة السياسية بمحاولة فرض خيارين لا ثالث لهما أمام طائفة ـــ يفترض أنها صارت ـــ "عاجزة" : إما الاقتناع بعدم جدوى السلاح أو الذهاب الى حرب أهلية. في كلتا الحالتين، يكون حزب الله قد فقد دوره أو مصداقيته كحركة مقاومة.
نجحت إسرائيل بالتأكيد في توسيع رقعة الانشقاقات داخل لبنان، لكنها أغفلت حقيقة «مُرة» مفادها أن المجتمع اللبناني بتركيبته التعددية أضعف من أن ينقسم على نفسه، ذلك أن زعماء الطوائف، ولأسباب جبرية ناجمة عن ضرورات وجودية، يرفضون تجاوز الخطوط الحمراء: سقط خيار الحرب الأهلية.
أما سلاح حزب الله، فقد أكسبته إسرائيل نفسها ـــ رغماً عنها ـــ بُعداً قومياً وإسلامياً: لم يعد قرار التخلي عن السلاح بيد حزب الله، لأنه يستمد مشروعيته هذه المرة من الشارع العربي والإسلامي.
كذلك، في إسرائيل، لن يختلف قادة الأجهزة الاستخبارية، بعد الآن، في تقدير صواريخ الحزب، فتوازن الرعب يقوم اليوم على واقع أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع حماية جنوده، قبل الحديث عن المستوطنات والمدن.
هناك حقيقة أخرى، سرعان ما ستجد مكاناً لها في مادة الجدل السياسي في إسرائيل: تقديرات الإسرائيليين السابقة كانت تتركز على مدى تغطية الكاتيوشا بعشرات الكيلومترات، بما لا يتجاوز حدود عكا.
في المواجهة المقبلة، ستضع قيادة الأركان الإسرائيلية، على الأرجح، خططاً تأخذ بالاعتبار احتمال أن "ما بعد، ما بعد تل أبيب" سيكون في مرمى النار.
غير أن حجم التصدع الذي أصاب هالة الردع المقدسة لجيش الدفاع الإسرائيلي، سيدفعه إلى تحويل الميدان إلى ساحة لعمليات "جراحية موضعية"، تقوم بها الاستخبارات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في العمق اللبناني.
قد تجد تل أبيب، عبر الإدارة الأميركية وسفارة عوكر، من اللبنانيين من يعاونها في خطوتها التالية، لكن واقع أن غالبية المجتمع اللبناني هي من الشيعة والسنة يضع البلد في حالة تماس مع المحيط الإسلامي: لن يستطيع سنة لبنان الذهاب بعيداً في الخروج على موقف سنة العراق.
ولعلّ أبرز النتائج التي خرج بها لبنان، هي ما أشار اليه السيد نصر الله في أيام الحرب الأولى بحديثه عن التقارب السني ـــ الشيعي نتيجة العدوان الإسرائيلي ( عزز الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ضمناً هذه النتيجة بحديثه عن جبهة للمستضعفين في الأرض).
تبقى الفترة المقبلة ساحة اختبار زمنية لنجاح حلفاء حزب الله، في الداخل والخارج، في استثمار صموده: حكومة وحدة وطنية، أو أقلها حكومة الثلث المعطل، وموقع تفاوضي أقوى لسوريا في عملية السلام ولإيران في مفاوضاتها النووية، ولـ"أخينا" تشافيز في مواجهة الامبريالية!