رام الله ـــ سعيد الغزالي
يجد الشعب الفلسطيني نفسه بين مطرقة فساد حركة «فتح»، وسندان عجز حكومة «حماس»، مما يؤدي إلى تزايد الفوضى والاقتتال الداخلي بين القوى المسلحة من الحركتين، إضافة إلى الصراعات العائلية المحتدمة في قطاع غزة.
وبينما يتوجه ربابنة القاطرة الفلسطينية المثقلة بالأعباء، ممثلون بحكومتها وسلطتها وفصائلها الرئيسة، نحو مستنقع الاشتباك الفئوي، من دون اهتمام بأن هناك عدواً يتربص بهم، وشعباً في أمسّ الحاجة إلى الوحدة، وتضميد الجراح.
وتبادل مسؤولون كبار في الحكومة السابقة وحكومة حماس أمس الاتهامات، وإلقاء المسؤولية على الطرف الآخر، بشأن عدم النجاعة، والفشل الإداري والفساد.
وفي ندوة حضرها مؤيدون لحركة فتح عقدت في فندق الـ«غراند بارك» في رام الله، اتهم وزير العمل السابق غسان الخطيب حكومة «حماس» بأنها قامت بتعيينات غير مبررة لمئات الوظائف الحكومية، لإحكام سيطرتها على وزارات الحكومة، وإقصاء موظفين كبار (من مؤيدي فتح)، وخلقت مناصب جديدة.
في الوقت نفسه، اتهم وزير الخارجية محمود الزهار الحكومات السابقة بهدر المال العام. وقال إن الحكومة الحالية تسلّمت الخزانة المالية بمديونية تزيد على 1.7 مليار دولار. وتحدث الطرفان عن وضع كارثي يُحدق بالفلسطينيين، موجهاً انتقادات شديدة إلى الطرف الآخر. وقال «إن الحكومة استلمت كارثة مالية حقيقية»، وعزا ذلك إلى الإنفاق المبالغ فيه على منظمة التحرير وهيئاتها.
الندوة جرت على وقع مسيرات نظمها أنصار حركة فتح، مطالبين الحكومة بتوفير الرواتب لهم. وهذا المطلب له صدى شعبي، وله بعد إنساني، رغم أنه يُستغلّ سياسياً. ويطالب أنصار فتح المتشددون أن يقوم الرئيس محمود عباس باستخدام صلاحياته للإطاحة بحكومة حماس، وتأليف حكومة جديدة مقبولة سياسياً لدى العالم.
وقال إبراهيم خريشة، سكرتير المجلس التشريعي وهو من أنصار حركة فتح «سنبدأ الإضراب يوم السبت المقبل في كل المؤسسات. ونُصعّده تدريجياً حتى نصل إلى مرحلة العصيان المدني». واتهم خريشة عباس «بالضعف والتردد» لإحجامه عن حل الحكومة الحالية. واعترف خريشة بأن الإضراب في قطاع غزة، معقل حركة حماس، قد يكون ضعيفاً.
ويأمل موظفون في حركة فتح أن ينجح الإضراب في الإطاحة بحركة «حماس». وتساءل المدير العام لوزارة الحكم المحلي، باسم الجاعوب، «هل الحكومة مقدسة؟ هذه حكومة لم تتمكن من دفع الرواتب لموظفيها. حكومة ليس لديها مشاريع. وليس لديها برنامج سياسي. لماذا تبقى؟»
وتجري هذه المناكفات في الوقت الذي تقترب فيه الانتفاضة من استكمال عامها السادس، بينما تزداد الخشية من أن ينزلق الفلسطينيون بصورة واسعه نحو السقوط في منزلق الحرب الأهلية.
ويتغيّب معظم موظفي الحكومة عن العمل في أغلبية الوزارت الحكومية، بحجة أنهم لا يتمكنون من الوصول إلى أماكن عملهم. وقال موظفون مؤيدون لحركة «فتح» إن الوزراء أمروهم بالتغيب عن العمل ثلاثة أيام أسبوعياً، وقامت الحكومة بإحلال موظفين آخرين مؤيدين لها مكانهم.
وقالت حنان إمسيح، المؤيدة لحركة فتح، إن وزير الحكم المحلي خفض صلاحياتها كمديرة، رغم أنها مناضلة نفّذت ست عمليات عسكرية وقتلت وجرحت إسرائيليين، وحُكمت بالسجن المؤبد. «قلت للوزير: تقول إنك خلعت ثوبك الحزبي، لكني أراك ترتديه اليوم».
ونجحت «حماس» في الانتخابات الفلسطينية على أساس برنامج التغيير والإصلاح. وألّفت حكومتها في شهر آذار الماضي. ورفضت فصائل منظمة التحرير كافّة المشاركة في الحكومة. وتعرضت الحركة إلى مقاطعة دولية للضغط عليها من أجل الاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
لكنّ «حماس» لم تتمكن من أن تخلق مبادرات اقتصادية، كبديل عن "الاستجداء من العالم" حسب رأي الباحث والأستاذ الجامعي عبد الستار قاسم، الذي حذر من أن الاشتباك الداخلي والمناكفات الفئوية ستضر بالشعب الفلسطيني. وقال «أخشى أن تخرج القضية الفلسطينية من أيدينا، إن استمر هذا الواقع المأزوم».