strong>الهدف الفرنسي أبعد من الوضع الحالي في الأراضي اللبنانية. إنه مرتبط إلى حد ما بأجندة معدّة مسبقاً، على رأسها التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. المهمة ليست سهلة، والعودة إلى ما قبل 12 تموز، دونها دمار وشهداء، يصعب القفز فوقهم.
باريس ــ بسّام الطيارة

كان الشرق الأوسط، بشقه العربي ونتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان، أمس، الشاغل الأول للرسميين الفرنسيين؛ الرئيس الفرنسي جاك شيراك يتابع عن كثب نتائج جولة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ويجري اتصالاً هاتفياً معه. ووزير الخارجية فيليب دوست بلازي يعطي مقابلة صحافية من هنا وتصريحاً من هناك، تدور كلها حول نظرة فرنسا إلى ما حصل وإلى المستقبل القريب المتعلق بالمنطقة.
غير أن التدقيق في تفاصيل ما يصدر عن المراجع الرسمية من تصريحات وتعليقات، يشير إلى تحوّل مهم في «أولويات» الديبلوماسية الفرنسية، تعكس بالدرجة الأولى «اهتمامات داخلية وأوروبية» وتطاول مباشرة مركز فرنسا في العالم.
وبحسب بيان عن قصر الإليزيه، فإن جاك شيراك أكد للأمين العام للأمم المتحدة دعم فرنسا الكامل له في مجهوده «لوضع القرار ١٧٠١ حيز التنفيذ»، مشدداً على «ضرورة رفع الحصار المفروض على لبنان».
ويقول مصدر في الإليزيه إن شيراك وضع أنان في أجواء «الترتيبات التي يتخذها الجيش الفرنسي للانتشار ضمن قوات اليونيفيل المعدلة». كما يبدو أن شيراك أكّد لأنان «أن الإجراءات تتخذ لإيصال هذه القوة إلى لبنان بأسرع وقت ممكن».
ويقول المصدر نفسه إن «باريس مدركة لصعوبة رفع الحصار ما لم توجد القوات الدولية على الأرض»، مضيفاً أن تكرار المطالبة برفع الحصار على أفواه العديد من المسؤولين ما هو إلا من «باب رفع العتب اللبناني».
ويوضح المصدر «أن اللبنانيين يدركون أن القرار بيد واشنطن»، ولكن باريس لا تستطيع المجاهرة بعدم قدرتها على التأثير على تل أبيب.
وترى مصادر مطلعة أن لدى باريس سبباً آخر يدعوها إلى الإسراع في تجهيز قواتها لإرسالها إلى الجنوب، هو «تخوفها من الوضع الهش جداً، سواء على الحدود أو على الساحة الداخلية».
وتشير إلى وجود «ترابط متكامل بين هشاشة الوضع في الجنوب في نقاط التماس وفي الداخل»، مضيفة أن أي شرارة صغيرة تنطلق قبل وصول القوات الدولية يمكن أن تقلب الوضع رأساً على عقب وتعيد الأمور إلى الوراء، مع احتمال اتساع رقعة القتال إقليمياً.
واللهاث الفرنسي ليس فقط في مجال تسريع إرسال القوات الأوروبية إلى الجنوب، بل في ترابط وصول هذه القوات مع تقدم الحل السياسي، كما ترى باريس أن القرار ١٧٠١ «يُسهّل الحوار الوطني اللبناني».
ورأى وزير الخارجية الفرنسي، في حديث لتلفزيون «أور نيوز»، أن نزع سلاح حزب الله يوجد نوعاً من «التدرج لانتقال الحزب من حركة مسلّحة إلى حزب سياسي». ولاحظ المراقبون أن إطار التحرك السياسي الفرنسي تجاوز القرار ١٧٠١ «ليعود إلى أجواء ما قبل ١٢ تموز»، إذ بات الحديث عن تطبيق القرار ١٥٩٥، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، لا كما كان سائداً خلال الحرب عندما كان التشديد يصبّ في إطار تطبيق القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠، وكأن فرنسا تريد إقحام القرار ١٥٩٥ في الحل السياسي الذي ينص عليه قرار وقف الأعمال العدائية.
ففي رد على سؤال عن «القوة السياسية المقربة من سوريا التي انتعشت بعد الحرب الأخيرة وموقف فرنسا الذي لا يزال متشدداً تجاه دمشق»، قفز دوست بلازي عن السؤال وأجاب بـ «ضرورة انتظار نتائج لجنة التحقيق الدولية».
ويبدو من نمط هذا «الضبط الديبلوماسي الجديد» أن باريس تودّ استباق بدء الحديث عن «قرار ثان في مجلس الأمن يفرض الحل السياسي» لتؤسس له كما كانت تراه قبل اندلاع الحرب. ويرى مراقب أن الولايات المتحدة لا تزال «تضع أصبعها على زناد القرار الثاني»، واستبعد أن يرفع الحصار قبل أن تتوافق باريس وأوروبا من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية، على ما يجب أن ينص عليه هذا القرار المنتظر بدء البحث فيه بعد صدور قرار المحقق الدولي سيرج براميرتز في منتصف الشهر الجاري.