معمر عطوي
لم يكن مقتل زعيم الثوار البلوش، نواب أكبر خان بوغتي(79 عاماً) يوم السبت الماضي، في معركة مع القوات الحكومية في إقليم بلوشستان، السبب الأساسي الذي أذكى المعارك بين القوات الباكستانية وسكان الإقليم الأكبر مساحة والأكثر فقراً في البلاد، إذ إن قضية بلوشستان، التي تشبه إلى حد ما قضية الأكراد في تشعباتها السياسية والجيوستراتيجية وعمقها القومي وبعدها القبلي، ليست قضية طارئة على المشهد السياسي الجنوب ــ آسيوي. فمنذ عشرات السنين، يقود البلوش، الذين ينحدرون من أصول عربية، حركة تمرد من أجل الحصول على حكم ذاتي ونصيب أكبر من أرباح الموارد الطبيعية، وأهمها الغاز الذي يشكل مخزونه في الإقليم أكبر احتياطي من هذه المادة في باكستانومع أن موقع بوغتي السياسي بوصفه حاكماً إقليمياً سابقاً وثائراً انضم إلى المقاتلين في الجبال هذا العام، يشكل علامة فارقة في تاريخ الحركة «الاستقلالية»، إلا أن قضية البلوش هي أعمق من حادثة مقتله: يسعى أبناء هذه القومية، المنتشرون بين إيران وباكستان وأفغانستان، إلى توحيد أراضيهم.
فمساحة بلوشستان الباكستانية (غرب) تبلغ 135 ألف ميل مربع، وعاصمتها كويتا، أما عدد سكانها فيتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، بينهم حوالى مليون من الباتان. في حين تبلغ مساحة بلوشستان الإيرانية (جنوب شرق) 70 ألف ميل مربع، عاصمتها زاهدان، وعدد سكانها حوالى مليون.
وتعود حرب البلوش على السلطة الباكستانية إلى تأسيس دولة باكستان عام 1947، وقد بلغت أوجها في السبعينيات من القرن الماضي، في عهد الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو. وكان لشاه إيران دور في تحريض إسلام آباد على ضرب «التمرد البلوشي»، خوفاً من أن تنتقل الحركة الوطنية البلوشية من باكستان إلى بلاده. أما بوتو فكان يطمع، من خلال هذه الحرب، إلى زيادة عمليات التنقيب عن النفط والمعادن في الإقليم، لكن بلا جدوى، بسبب تصاعد الثورة ضده وتصديرها إلى بلوش إيران. لكن قضية بلوشستان عادت إلى الظهور بشكل جدّي على سطح الأحداث في غرب آسيا منذ نيسان العام 1980، إثر فشل محاولة انقلابية ضد نظام ضياء الحق العسكري في إسلام آباد، والذي أدى فيها البلوش دوراً أساسياً. وربما كان العداء التاريخي بين الهند وباكستان قد فتح عيون نيودلهي على هذا الإقليم لاستغلاله في حربها ضد إسلام آباد، وهذا ما أكدته الاتهامات الهندية المتكررة لجارتها بمساعدة المتمردين البلوش.
ولم يتوقف الأمر على الهند، بل تعداه إلى تدخل دول أخرى. تدخل جاء إما بدافع السيطرة على الثروات الطبيعية من غاز ومعادن، أو بدافع مزاحمة نفوذ دول أخرى، كما كان حال العراق والهند، اللذين دعما في العقود الماضية حركة استقلال بلوشستان، تماهياً مع متطلبات الحرب الباردة، نظراً لانخراط بغداد ونيودلهي في حلف السوفيات، بينما كانت إيران ــ الشاه وباكستان تدوران في الفلك الأميركي.
لعل مقتل بوغتي، الذي يصفه بعض أبناء قبيلته بـ«الأسطورة»، يعيد قضية البلوش إلى المشهد السياسي في المنطقة، بيد أن الحديث عن اهتزاز سياسي يؤدي إلى سحب الثقة من رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز، قد يكون أحد تجليات «الفوضى الخلاقة» التي تعيد ترتيب المنطقة وفق الرؤية الأميركية.