جهاد الملاح
في مؤتمر السلام العالمي لعام 1849، دعا فيكتور هوغو، من باريس، إلى تأسيس «الولايات المتحدة الأوروبية»، ومضى تاركاً أعماله التي نُقشت في ذاكرة الانسانية، ما عدا هذه العبارة.
أطلق هوغو دعوته، أسوة بالولايات المتحدة الأميركية التي كانت لا تزال في مهدها، لكنها بقيت مجرد دعوة لم ترق الى قناعة حتى يومنا هذا، رغم النمو التدريجي لـ«الاتحاد الأوروبي». فـ«الولايات المتحدة الأوروبية» كانت فكرة ما لبثت أن تحوّلت إلى سراب في أفق مسدود وأضحت رماداً كفتات الانقسام في الرؤية بين الامم الاوروبية، خاصة في ما يتعلق بالمصالح المشتركة وبالطريق الصائبة نحو هذه المصالح.
الولايات المتحدة، صنيعة أوروبا وشعوبها، أصبحت ــ إلى حد ما ــ القطب الأوحد في العالم، أما اوروبا فتدرجت نحو اتحاد يسعى إلى توحيد الجهود الاجتماعية، من دون توحّد في الرؤية السياسية والنظرة الشمولية لمصلحة القارة العجوز، حتى إنه اهتز عند استحقاق الدستور الموحّد.
ولعلّ السبب في ذلك هو «العمى» عن المصلحة الحقيقية، التي يعتقد أن اللحاق بواشنطن هو الطريق الأمثل لتحقيقها، مع أن بمقدور أوروبا أن تحققها برضى العالم وتفاهمه معها، من دون ان تنتزعها حطاماً على الدرب الأميركي، خاصة في ما يتعلق بمصالحها مع العرب.
أوروبا تخطّت التناقض الديني وحروب العصور السالفة، وهي الآن تتوسَّع شرقاً، لتشرف، خلال سنوات، على البلدان العربية، فكيف تستعدّ لذلك؟ ماذا تنتظر أوروبا لتكريس تعاون فعّال، بين ضفاف المتوسط الثلاث، على الأقل عبر مبادئ الشراكة الأورو ــ متوسطية، التي انطلقت على ضوء التحولات الجيوبوليتيكية ونمو التكتلات الاقليمية التي شهدها العالم مع بداية تسعينيات القرن الماضي، علماً أنها ترتكز على شراكة أمنية وسياسية وشراكة اقتصادية ومالية، وشراكة ثقافية واجتماعية وإنسانية.
الاتحاد الأوروبي لا يزال تكتلاً يحاكي المصالح الضيقة لبعض دوله، التي لا تصبّ غالباً في مصلحة شعوب تلك الدول. ففرنسا تقارع واشنطن حتى المغامرة، من أجل أن تكسب موطئ قدم سياسي في الشرق الأوسط، علّها تستعيد مجداً عفا عليه الزمن، مع العلم أن في مقدورها أن تكسب الكثير عبر علاقة شفافة مع العرب. وألمانيا، بل حكومتها، حائرة كيف تصنع «أيقونة» تمثّل إسرائيل، على أمل أن تكفِّر عن عقدة ذنب أضحت سراباً. وإيطاليا تبحث في كل معطيات الشرق الأوسط عن دور قد يرضي ميول يسارها الجديد ويضعها على أول الطريق السريع والمتهور نحو الأممية، أما المصالح الحقيقية للشعب، فلتذهب في مهب الريح. وبالنسبة إلى بريطانيا التابعة والمطيعة لواشنطن حتى الانتحار، فسياسة حكومتها ـتبعد كل البعد عن المصلحة الوطنية لشعبها، وعلى ذمة معظم البريطانيين!
قد ترى أوروبا مصالحها في سياستها المتبعة حالياً مع العرب، وربما تعتمد على حقيقة أن للعرب أنظمة تبيع مصالح شعوبها عند كل سؤال غربي. لكن هل ستبقى هذه الانظمة تتحكم الى الأبد؟ وعلى أي حال، إذا كان على اوروبا عتاب، فعلى العرب، الذين يتسكعون في حطام أحلامهم التالفة، الف لوم وعتاب، بسبب عدم السعي الى مصالحهم.
للقارة العجوز كل الحكمة التي تجعلها لا تنجرّ وراء صنيعتها الشابة، بل تنهل من حروف التمدن التي خطّتها على مدى العصور، من «وستفاليا» و«شرعة حقوق الإنسان»، علّها تطل على العرب، فتمسح غبار مقولة «صدام الحضارات»، وتحيي الأحاسيس المنقطعة بين أطراف الأمم.