إسطنبول | يتجه الأتراك غداً إلى مراكز الاقتراع للادلاء بأصواتهم في انتخابات برلمانية ستكون محطةً مفصلية في تاريخ جمهوريتهم. نتيجة هذا الاستحقاق ستقرّر مصير الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وكذلك ستحدد مستقبل الديموقراطية في هذا البلد، إذ إن أردوغان وضع نصب عينيه منذ ما قبل توليه رئاسة البلاد، تعديل الدستور لتغيير شكل الحكم في تركيا وتحويله إلى رئاسي يعزّز صلاحيات رئيس الجمهورية.
في الواقع فإن تعديل الدستور لتغيير شكل الحكم، لن يمنح أردوغان سوى غطاء شرعي لتفرّده بالحكم الذي بدا في ممارساتٍ عدة مذ أصبح رئيساً في آب من العام الماضي. إلا أن عبوره نحو «امتلاك» تركيا بشكلٍ رسمي من دون الحاجة إلى اجراء استفتاء شعبي، دونه عراقيل عدة، أهمها فوز حزب «الشعوب الديموقراطي» بـ 10% من أصوات الناخبين الذي سيقطع الطريق على فوز الحزب الحاكم بـ 330 مقعداً، وهو العدد المطلوب لتشكيل حكومة من لون واحد ثم تعديل الدستور بلا استفتاء، وفق القانون التركي.
٧٦٪ من الاتراك غير راضين عن سياسات الحكومة حيال الأزمة في سوريا
الاستحقاق المرتقب يعيد تقييم شعبية أردوغان والحزب الحاكم التي أكدت استطلاعات عدة للرأي تراجعها. الحزب الذي فاز في كل الانتخابات البرلمانية منذ عام 2002، لم يسلم من اتهامات وانتقادات كثيرة، أولها على خلفية سياساته الاقليمية، ثم على أثر اتهامات داخلية بقضايا فساد وممارسات القمع والاستئثار بالسلطة والتضييق على القضاء والحريات الاعلامية والفردية، لم تعد خافية على أحد.
لا يخفي الناخبون الأتراك تخوفهم من سيناريوهات تزوير قد يلجأ إليها «العدالة والتنمية» لضمان فوزه غداً، إذ إن خسارته في هذا الاستحقاق تعني بداية النهاية لهذا الحزب.
هذا الاحتمال دفع أردوغان إلى استنفار كل إمكاناته وإمكانات الدولة المادية والمعنوية والأمنية لمنع أحزاب المعارضة من تحقيق أي انتصار محتمل، وخصوصاً حزب «الشعوب الديمقراطي» الذي سيقرر مصير «العدالة والتنمية». وجاء القرار الأخير للجنة الانتخابية العليا الذي فاجأ الجميع، ليتيح الفرصة أمام أردوغان حتى يرمي بقنبلته الأخيرة في ملعب أحزاب المعارضة. وسمحت اللجنة باستمرار الحملة الانتخابية حتى الساعة السادسة من مساء اليوم، وهو ما يُعد مخالفةً للقانون السابق الذي كان ينصّ على وقف الحملة الانتخابية قبل ٢٤ ساعة من عملية الاقتراع التي ستبدأ صباح الغد. وعدّ كثيرون قرار اللجنة العليا للانتخابات «تكتيكاً» جديداً يتيح الفرصة لأردوغان ليواصل هجومه حتى آخر لحظة على أحزاب المعارضة.
وقد استنفرت أحزاب المعارضة بدورها إمكاناتها لمواجهة كل الاحتمالات، ووظفت مئات الآلاف من أنصارها لمراقبة عملية الاقتراع والفرز وعدّ الأصوات لمنع أي عملية تزوير. وعبّر قادة حزب «الشعوب الديمقراطي» عن قلقهم من عمليات تزوير خطيرة في المقرّ الرئيسي للجنة العليا للانتخابات، لمنع الحزب الكردي الذي يشارك للمرة الاولى في قائمة، من الحصول على نسبة ١٠٪ من الاصوات. فقد بات واضحاً أن رهان الجميع هو على هذا الحزب لمنع «العدالة والتنمية» من الحصول على أكثر من ٤٠٪ من الأصوات أي نحو ٢٤٠ من مقاعد البرلمان، وهو أقل من النصاب الدستوري المطلوب لتأليف الحكومة. وكانت استطلاعات الرأي قد توقعت لـ «الشعوب الديمقراطي» أن يحصل على ١٢،٨٪، ما يعني أن مقاعد «العدالة والتنمية» ستتراجع حتى ٢٣٠ من أصل ٥٥٠ مقعداً، مقابل ١٦٠ لحزب «الشعب الجمهوري» ونحو ٩٠ مقعد لـ «الحركة القومية» ونحو ٧٠ مقعداً لـ «الشعوب الديموقراطي» ا(لجناح السياسي لحزب «العمال الكردستاني») الذي سيقرر مصير الانتخابات ومصير «الحزب الحاكم، والأهم مصير أردوغان».
وقد ناشد أردوغان الناخبين في بداية الحملة الانتخابية دعم حزبه حتى يفوز بـ ٤٠٠ مقعد، ليتسنّى له تغيير الدستور من دون استفتاء شعبي وتحويل النظام السياسي الى رئاسي، وبالتالي يصبح هو الحاكم المطلق للبلاد. وعندما بينت استطلاعات الرأي أن هذا الرقم مبالغ فيه قال أردوغان إن ٣٣٠ مقعدا تكفي بالنسبة للحزب الحاكم حتى يقوم بالخطوة المذكورة. وخلال الأيام الأخيرة، اعترف أردوغان بالخطر الذي يحدق بحزبه وبه شخصياً، فراح يتحدث عن «مخاطر الحكومات الائتلافية» في إشارةٍ غير مباشرة إلى أن «العدالة والتنمية» لن يحصل على الأغلبية التي ستمكنه من تشكيل الحكومة وحده. ودفع هذا الاحتمال أردوغان إلى المزيد من العصبية في خطاباته، حيث تمادى في مهاجمة زعماء المعارضة واتهامهم بالخيانة والعمالة والتجسس في قضية الشاحنات التي كانت تنقل الأسلحة إلى المجموعات المسلحة في سوريا. فقد تحول هذا الموضوع إلى مادة رئيسية في خطابات زعماء المعارضة الذين اتهموا بدورهم أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بالخيانة الوطنية لتحالفهما مع تلك التنظيمات مثل «الدولة الاسلامية» (داعش) و»جبهة النصرة» وإرسال الأسلحة لها وإخفاء هذه الحقيقة الخطيرة عن الشعب التركي.
وكان زعماء المعارضة قد أكدوا في خطاباتهم على ضرورة محاكمة أردوغان وداوود أوغلو على خلفية هذه الجريمة التي أثرت على ميول الناخبين. فقد أثبت استطلاعٌ للرأي أن ٧٦٪ من المواطنين الاتراك غير راضين عن سياسات الحكومة حيال الأزمة في سوريا وتحديداً دعمها للمجموعات الارهابية هناك. كذلك، لا يتجاهل زعماء المعارضة قضايا الفساد ويؤكدون على ضرورة محاسبة ومحاكمة أردوغان وأفراد عائلته ووزرائه والمقربين منه في ما يتعلق بتهم الارتشاء والسرقة والتزوير وغيره من هذه الاتهامات التي طاولتهم جميعا نهاية عام ٢٠١٣.
يبقى الرهان الأكبر على ١٠٪ من الناخبين الذين بينت استطلاعات الرأي أنهم ما زالوا مترددين وسيقررون في اللحظة الأخيرة لأي من الأحزاب السياسية سيصوتون. على هؤلاء راهن أخيراً أردوغان وداوود أوغلو، حين حاولا استقطابهم بأي شكل، عبر إصدار قرارات حكومية «تغيرهم»، مثل قرار توزيع ٥٣ ألف ليرة تركية (نحو 11 ألف دولار) للمخاتير بمنزلة «مكافأة» لهم «لتعبهم خلال الإعداد للانتخابات».