رست الحكومة البريطانية ورئيستها تيريزا ماي على اختيار بديل من سفيرها لدى الاتحاد الأوروبي، إيفان رودجرز، الذي استقال أول من أمس، وذلك قبل أسابيع من بدء إجراءات الخروج، تاركاً خلفه عدداً من التساؤلات حول الصعوبات التي ستواجه لندن قبيل انفصالها عن بروكسل.
وبعدما وجدت ماي نفسها في موقف صعب، بسبب اضطرارها إلى التعامل مع استقالة رودجرز، الخبير في الملفات الأوروبية الذي كان يمكن أن يضطلع بدور أساسي في المفاوضات البالغة التعقيد للخروج من الاتحاد، وقع الاختيار، أمس، على سفير بريطانيا الأسبق لدى روسيا تيم بارو، ليحل مكانه.
وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية قد رأت في وقت سابق أن اختيار بارو لهذا المنصب هو خيار كلاسيكي للخارجية، خصوصاً أنه يتمتع بخبرة كبيرة في بروكسل، فقد كان ممثل المملكة المتحدة في مفوضية الأمن في الاتحاد الأوروبي سابقاً، وكذلك مبعوثاً لدى اتحاد أوروبا الغربية. وأوردت صحيفة «التلغراف» أن بعض الوزراء قالوا إن بارو ملائم لهذا المنصب، وهو عكس سلفه «المتشائم»، خاصة أنه براغماتي ويجيد حلّ المشكلات وقادر على إيجاد الحلول.
يُذكر أن رودجرز، الذي عيّن عام 2013، قد عرض في رسالة إلكترونية إلى مساعديه في مكتب المملكة المتحدة لدى الاتحاد الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة، ملقياً بانتقاداته على حكومة بلاده. وقال في الرسالة إن «الخبرة الجدية قليلة على صعيد المفاوضات المتعددة الأطراف في وايتهول»، مقر الوزارات في لندن، لكنه ذكر أنه يأمل «أن تواصلوا التصدي للذرائع الضعيفة والمنطق الغامض، وألا تخافوا أبداً من قول الحقيقة للمسؤولين في السلطة».
أيضاً، شدد السفير المستقيل، في ظل أنه يعكس صدى تساؤلات تطرحها بريطانيا منذ أشهر حول استراتيجية ماي، على القول إنه شخصياً «لا يعرف بعد ما هي أهداف الحكومة على صعيد العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد البريكست».
وكان الحديث جارياً عن أن الحكومة البريطانية بحثت عن بديل ملائم لرودجرز، خصوصاً أن الأخير، وفق صحيفة «التايمز» البريطانية، «مفاوض أوروبي محنك»، فيما ذكرت «التلغراف» نقلاً عن مصادر حكومية أن رودجرز دفع على ما يبدو ثمن «نظرته السلبية إلى بريكست»، وأن استقالته كانت في أي حال مبرمجة، لأن رئاسة الوزراء ترغب في تعيين سفير في بروكسل «يؤمن بالخروج من الاتحاد الأوروبي» قبل الدخول في صلب الموضوع.
في المقابل، أعربت المفوضية الأوروبية عن الأسف لاستقالة هذا الدبلوماسي الذي وصفته بأنه محاور «يتمتع بحرفية عالية»، لكنه «ليس سهلاً على الدوام». وذكرت صحيفة «بوليتيكو» أن رودجرز سبق أن هدّد بالاستقالة قبل أن يقدم فعلياً على هذه الخطوة. وذكر دبلوماسي أوروبي أن «استقالته لم تفاجئ الذين يعملون معه»، مضيفاً عنه: «كان كفوءاً جداً، لكنه لم يكن مقتنعاً بقرار الخروج من الاتحاد».

سيخلف بارو الذي عمل في موسكو رودجرز الخبير في ملفات أوروبا

من جهة أخرى، قالت «الغارديان» إن المشككين في أوروبا يرغبون في رؤية شخص من الممكن أن يأخذ بالحسبان مغادرة الاتحاد من دون اتفاق مستقبلي كامل يحدد العلاقة بين لندن وبروكسل، في وقت رحب فيه مؤيدو الخروج من الاتحاد باستقالة رودجرز، خصوصاً نايجل فاراج، وهو زعيم «حزب استقلال بريطانيا»، الذي قال إن «من المستحسن أن يستقيل مزيد من الأشخاص والسفراء البريطانيين الذين يتخذون هذا الموقف». وأضاف فاراج: «المؤسسة السياسية وأفراد السلك الدبلوماسي في بريطانيا يواجهون صعوبة القبول بالتصويت» على الخروج من الاتحاد.
ومن المقرر أن تفعّل رئيسة الوزراء البريطانية المادة 50 من معاهدة لشبونة التي ستفتح الباب أمام مفاوضات الخروج قبل نهاية آذار المقبل، الأمر الذي سيطلق عدّاً عكسياً لمدة عامين تكمل في ختامهما المملكة المتحدة خروجها من الاتحاد.
رغم هذا، ظهر استنكار في بريطانيا للحملات التي يتعرض لها مؤيّدو الاتحاد الأوروبي وكذلك أنصار خروج «مخفّف» من شأنه أن يقلص إلى الحدود القصوى عواقب الرحيل عن الحضن الأوروبي. وقال الزعيم السابق لـ«الحزب الليبرالي الديموقراطي»، نيك كليغ، إن الذين «لن يتأقلموا مع بريكست» سيواجهون مضايقات كثيرة و«سيزدادون تهميشاً».
ومرّ رودجرز في جدل كبير الشهر الماضي، إثر تسرّب كلام قاله أمام وزراء بريطانيين وأبلغهم فيه أن دول الاتحاد الأوروبي ترى أن الاتفاق التجاري الجديد، الذي يفترض أن ينظم العلاقات المقبلة بين لندن والاتحاد بعد «البريكست»، لن يُوقّع قبل مطلع، أو حتى منتصف، العقد المقبل.
(الأخبار، أ ف ب)