بعد مرور 25 يوماً على بداية ولايته، لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتنقّل في حقل من الفترات الانتقالية، التي يمكن تشبيهها بألغام وضعها بنفسه، وتمكّن معارضوه ووسائل الإعلام من استغلالها، للترويج لفكرة أنه لن يصل يوماً إلى ما بعد الفترة الانتقالية.
ولم تكد تتحرك قافلة موافقة الكونغرس "المتأخّرة" على أعضاء حكومته، حتى واجه معضلة جديدة تمثلت في إجبار مستشاره للأمن القومي مايكل فلين على الاستقالة، على خلفية اتهامه بالاتصال بمسؤولين روس، والتلميح لهم باحتمال إزالة العقوبات عن موسكو بعد تبوّء ترامب منصبه. ثمّ لم يلبث هذا الأخير أن تقدم باستقالته، أول من أمس، حتى شهدت واشنطن بلبلة واسعة، أمس، بعد الكشف عن معلومات جديدة بشأن إجراء مقرّبين آخرين من الرئيس الأميركي، اتصالات متكرّرة مع الاستخبارات الروسية، العام الماضي، ما يضاعف الضغوط السياسية على ترامب.
وكشفت "نيويورك تايمز"، نقلاً عن أربعة مسؤولين حاليين أو سابقين أميركيين، حيازة أجهزة الاستخبارات تقارير وبيانات تنصّت هاتفية لمحادثات بين أعضاء في فريق حملة المرشح الجمهوري، لم يُعرف عنهم باستثناء واحد هو مدير الحملة السابق لترامب بول مانافورت، ومسؤولين كبار في الاستخبارات الروسية.
وفيما لم يُكشف مضمون المحادثات للجمهور، أكدت مصادر الصحيفة أنها لا تكشف عن وجود تعاون بين الجهتين. ونفى مانافورت "الحديث إلى عناصر استخبارات"، مضيفاً أن الجواسيس لا يضعون شارات تعريف.
وقد انعكست الضغوط السياسية، في مطالبة أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ من الجمهوريين والديموقراطيين، بتحقيق معمّق في تورّط روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، الأمر الذي يفتح المجال أمام فصل جديد وغير مريح في العلاقة الصعبة التي تربط ترامب بالكابيتول. وقال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إن تحقيقاً مماثلاً "محتمل جداً". كذلك، وقف العضوان البارزان في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، الجمهوري ريتشارد بور والديموقراطي مارك وارنر، جنباً إلى جنب، للإعلان أن التحقيق الذي تجريه اللجنة "يجب أن يتضمّن تحققاً من اتصالات بين المسؤولين عن حملة ترامب والحكومة الروسية". وتأتي هذه التطوّرات في الوقت الذي يطالب فيه الديموقراطيون وعدد من الجمهوريين باستدعاء فلين لتوضيح طبيعة علاقاته مع موسكو، والرد على سؤال يدور في ذهنهم بشأن ما إذا كان ترامب قد كلّفه مهمة نقل رسالة إلى الروس، حول رفع محتمل للعقوبات التي فرضها سلفه.
وتتكامل الضغوط السياسية مع هجمة إعلامية غير مسبوقة. وقد ذهبت غالبية وسائل الإعلام البارزة إلى حدّ الترويج أنه ليس من الممكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه وأن رئاسة ترامب محكومة بالفشل، وهو ما أشار إليه جيفري فرانك في مجلّة "نيويوركر"، معتبراً أن "ترامب يبدو كأنه من خارج المكان... وأن واشنطن لا يمكن أن تكون مكاناً مشوّقاً بالنسبة لشخص مثله".
بدوره، رأى ديفيد روثكوف، في مجلة "فورين بوليسي" أن "قضية فلين هي فقط غيض من فيض"، مؤكداً أن "المسألة التي قضت على فلين، هي تقريباً أول العواقب الحقيقية التي تضرب الرئاسة الوليدة". أما جيرالد سيب، فقد رأى في مقال في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "البيت الأبيض على مفترق طرق". وقال إنه "ليس من الواضح ما إذا كانت هناك أي إدارة قد وصلت إلى مفترق طرق، في غضون 25 يوماً"، مضيفاً أن "إدارة ترامب الجديدة قد وصلت تحديداً إلى هناك".
في مواجهة ذلك، نفى البيت الأبيض، بشكل قاطع، الأنباء عن إمكانية أن يكون ترامب قد كلّف فلين التواصل مع الروس، فيما سعى الرئيس إلى إثبات حزمه إزاء روسيا. وعلّق ترامب عبر موقع "تويتر" بالقول إن مسألة "وجود روابط مع روسيا سخيفة، مجرّد محاولة للتغطية على الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها الحملة الخاسرة لهيلاري كلينتون"، مذكراً بحصيلة سلفه. وقال في تغريدة أخرى إن "روسيا استولت على القرم في ظل إدارة أوباما. فهل بالغ أوباما في التساهل إزاء روسيا؟". ثمّ سارع ترامب إلى مهاجمة أجهزة الاستخبارات. وقال في تغريدة إن "الفضيحة الحقيقية هي توزيع الاستخبارات معلومات سرية خلافاً للقانون كأنها سكاكر. هذا غير أميركي على الإطلاق!". واتهم، في تغريدة أخرى، مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) ووكالة الأمن القومي (ان اس آيه) التي تقوم بأنشطة تنصّت، بأنهما مصدران محتملان لمعلومات "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست".
لكن المعضلة بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، تكمن في اتخاذ قرار بشأن فرض عقوبات إضافية على موسكو، الأمر الذي يؤيّده كثيرون ضمن أكثريته رداً على التدخلات الروسية في الحملة الانتخابية. وفي السياق، صرّح رئيس مجلس النواب بول راين، عبر قناة "ام اس ان بي سي"، بأنه "ليس سراً أن روسيا حاولت التدخل في الانتخابات، ولذلك أؤيد فرض عقوبات". لكنه أشار إلى أنه لم ترد أي إثباتات تثبت أن فريق ترامب "متورّط في المسألة". ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان يعتقد أن سياسة اليد الممدودة، التي يتبعها ترامب تجاه بوتين ستنجح في تغيير سلوك الروس، أكد راين أنه لا يمكن "الوثوق بالروس" مضيفاً أنً "مصالحهم لا تتوافق مع مصالحنا". وقال: "لا أعتقد أنهم قادرين على التغيير".
في خلاصة أقل من شهر على توليه مهامه، يجد الرئيس الأميركي نفسه مضطراً إلى أن يستبدل شخصية أساسية في فريقه، وذلك بعد أيام على الضربة التي تلقاها إثر تعليق القضاء لمرسومه المناهض للهجرة. وقد ركّزت وسائل إعلام عدّة على الخيارات المطروحة لشغل منصب مستشار الأمن القومي بدلاً من فلين. وذكرت قناة "سي بي إس نيوز" أن هناك ثلاثة أسماء يدرسها البيت الأبيض، هي: الجنرال جوزيف كيث كيلوغ، الذي كان مستشاراً للأمن القومي في الفترة الانتقالية، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" ديفيد بترايوس، ونائب قائد القيادة المركزية السابق بوب هاوورد. وبحسب "سي بي اس نيوز"، يعتبر كيلوغ الأوفر حظاً، فيما من المنتظر أن يلعب وزير الدفاع جيمس ماتيس دوراً أساسياً في حسم القرار. من جهتها، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن هاوورد هو الأوفر حظاً، ذلك أنه أصبح من أكثر المقرّبين من ماتيس، خلال الحرب على أفغانستان والعراق، وحين عمل تحت قيادته، بين عامي 2011 و2013.
(الأخبار)