جالساً على الكرسي الذي لم يعرف غيره لأكثر من ثلاثة عقود ونصف عقد، أطفأ أمس أكبر رئيس في العالم، روبرت موغابي، شمعته الـ93. الرئيس الثاني لزيمبابوي منذ الاستقلال في عام 1980، أكّد أنه سيخوض الانتخابات المقررة العام المقبل، «لأن الشعب يريد ذلك»، حتى ولو كان «جثة هامدة»، وفق ما نقلت زوجته غريس التي يتزايد صعودها السياسي، والتي شبّهها الرئيس، أول من أمس، بـ«الألعاب النارية»!
نظراً إلى شخصيته، تغصّ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم، بتصريحات موغابي، الذي ينتمي إلى «الشونا» (وهي فصيل عرقي يشكّل 80% من زيمبابوي)، الـ«معادية للبيض». وفي حين تدرك الصحف استحالة التثبت القطعي من دقّة جميع هذه الأقوال، فإن بعض الخطابات المسجلة للرئيس الملقّب بـ«أبو الاستقلال»، إضافة إلى سياساته «المثيرة للجدل»، أظهرته على المسرح الدولي كشخص عنصري تجاه البيض.
ففي عام 2002، أعلن موغابي، وهو أحد أبرز محاربي الاستعمار ودعاة الحرية سابقاً، أنه «نادم على مسامحة الحكام البيض السابقين الذين قتلوا السود» خلال حرب الاستقلال، مشيراً إلى أنهم «ظلوا ينظرون إلينا كأننا مغفلين»، ومؤكداً أنه «لن يكرر نفس الخطأ أبداً أبداً أبداً». ويرى المراقبون أن الرئيس لم يتحرر من «حقده» تجاه المستعمرين القدامى، وظهر ذلك في مشاهد تلفزيونية في عام 2015 عندما رفض، خلال زيارته المتحف التذكاري لانتفاضة طلاب سويتو، الإدلاء بتصريح إلى مجموعة من الصحافيين الأجانب، قائلاً: «لا أريد رؤية أي رجل أبيض».
في إحدى المقابلات، يقول موغابي إنه دخل عالم السياسية بعدما كان في غانا عندما تحررت من الاستعمار البريطاني، الأمر الذي دفعه إلى العودة إلى بلاده لـ«نشر الوعي السياسي بين الناس وحثّهم على المطالبة بحريتهم».
أسّس موغابي حزباً «ماركسياً لينينياً ماوياً» (!) باسم «الاتحاد الوطني الأفريقي بزيمبابوي» (زانو)، بعدما قامت قوات الاستعمار بحل «الحزب الوطني الديموقراطي» (زابو) الذي كان في صفوفه. تحررت زيمبابوي في عام 1980، وشغل موغابي منصب رئيس الوزراء، إلى أن توفي الرئيس الأول بعد 7 أعوام، ليجلس موغابي مكانه حتى اليوم.
بعد خمس سنوات «ناجحة» في الحكم، شملت عدداً من الإصلاحات التي ساهمت في نهوض الاقتصاد، بدأت حرب الانتقادات، لا سيما بعدما فرض الزعيم، المعروف بذوقه الغريب في اختيار الثياب، «برنامج الإصلاح الزراعي» في عام 1999، والذي أعطى بموجبه الأراضي «غير المستغلة» التي يملكها المزارعون البيض (كانت تشكّل أكثر من 70 في المئة من الأراضي الخصبة في البلاد) إلى السكان السود الأصليين بهدف تعزيزهم اقتصادياً، ما أدى إلى هجرة العديد من ذوي الأصول الأوروبية.
إثر هذا القرار، اتهمت بريطانيا موغابي بـ«الدكتاتورية» و«العنصرية ضد البيض وباغتصاب أراضيهم»، وقامت الدول الغربية بحظر دخول «الديكتاتور موغابي» إلى أراضيها. وكذلك فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على البلد، ويقول موغابي إنها كانت السبب الرئيسي وراء انهيار القطاع الزراعي وتحوّل زيمبابوي من دولة مصدّرة للعديد من الأغذية إلى بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من سوء التغذية.
اليوم، يعاني البلد الأفريقي، الذي شهد انهياراً هائلاً في النظام الصحي بين عامي 2008 و2009، من أزمة اقتصادية كبيرة، وتفشّي الأمراض، أبرزها وباء الإيدز، إضافة إلى تضخّم الدين الخارجي، الأمر الذي زاد من عدد المعارضين لموغابي، حتى إن قدامى المحاربين ثاروا ضد قائدهم السابق. إلّا أنّ الرئيس التسعيني يؤكد أنه لن يتراجع، وأنه لن يسمح بحدوث «ربيع عربي» بدعم خارجي «غربي» في بلاده.
منذ بداية القرن الحالي، غالباً ما تصدّر موغابي عناوين الصحف العالمية بسبب انتقاداته اللاذعة للولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة، وخاصةً بريطانيا. وفي عام 2003، وصف قرار واشنطن ولندن غزو العراق بـ«غير العادل، وغير الشرعي... وباحتلال فعلي لشعب ذي سيادة». وبعد عامين، شبّه الرئيس الأميركي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بـ«الرجلين الشريرين... يهاجمان، كما هتلر وموسوليني، الدول البريئة». وبعد عشر سنوات، كرّر الرئيس، في كلمة ألقاها في قمة الاتحاد الأفريقي الـ25، هجومه على الرجلين، واتهمها بقتل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من أجل النفط، مشبّهاً ذلك بما تفعله واشنطن ولندن في أفريقيا من أجل الذهب الأسود.
ولم يتوقف يوماً الرئيس الذي قال إنه «يتفوّق على المسيح»، عن انتقاد الحكومات الغربية، وكذلك المنظمات العالمية (البنك الدولي، والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية) التي يتهمها بخدمة الدول الغنية فقط.
ولكن، في موقف «مفاجئ»، دافع «عجوز جنوب أفريقيا»، أول من أمس، عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعن شعار «أميركا للأميركيين»، مشيراً إلى أنه أيضاً يعتبر أن «زيمبابوي للزيمبابويين». وذهب «العنصري الأول» ضد البيض إلى أبعد من ذلك، ليعلن استعداده لإعطاء ترامب، المُتّهم بإيمانه بـ«تفوّق» العرق الأبيض، «فرصة». ويأتي ذلك بعد عام واحد من هجوم موغابي «الشهير» على قرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تشريع زواج المثليين في الولايات المتحدة، حين قال بسخرية: «بما أن أوباما يدعم زواج المثليين ... فأنا مستعد إذا لزم الأمر أن أذهب إلى واشنطن وطلب يده للزواج».