أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قرغيزستان، أمس، جولة في آسيا الوسطى، شملت طاجيكستان وكازاخستان، وجاءت تزامناً مع الذكرى الـ 25 لعقد العلاقات الثنائية إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، وحاول خلالها بوتين التأكيد على الروابط الأمنية والاقتصادية بين موسكو وتلك الدول.
ومن العاصمة القرغيزية بيشكك، أكد بوتين في لقاء مع الرئيس القرغيزي ألمازبيك أتامباييف، أن روسيا وقرغيزستان اتفقتا على تعزيز التعاون العسكري والتكنولوجي بمواجهة التهديد الإرهابي والجريمة. وأضاف إن روسيا ستدعم قرغيزستان في طريقها للاندماج في «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، مشيراً إلى أنه يدرك كم كانت صعبة محادثات دخول بيشكك إلى الاتحاد، وأنه يدرك أيضاً كيف «حمى الرئيس القرغيزي مصالح بلاده». وتابع إن الاتفاقات المماثلة تتطلب نوعاً من التسوية التي تلائم جميع الأطراف الداخلة فيها. وذكر الرئيس الروسي أن أدوات خاصة وضعت لتسهيل اندماج قرغيزستان بالاتحاد ولمساعدة تقويم اقتصاد البلاد بما يتلاءم مع متطلبات الاتحاد الأوراسي.
يذكر أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يضم إلى جانب روسيا، كلاً من: كازاخستان وقرغيزستان، إضافة إلى أرمينيا وبيلاروسيا، وتأسس في بداية عام 2015، لكنه لا يزال يعاني من عدة صعوبات. وتعود معظم تلك الصعوبات إلى مشاكل اقتصادية داخلية في تلك الدول، وخصوصاً قرغيزستان التي تعرض اقتصادها «لصدمة»، وفق ما قال إيدل بايسالوف، وهو محلل سياسي قرغيزي ومسؤول سابق في إدارة الرئيسة السابقة، روزا أوتونباييفا. وتابع إن اقتصاد بلاده قد تدهور منذ عام 2012 حين كان مردود صناعة الملابس في البلاد 204 ملايين دولار، فيما أصبح العام الماضي 9.6 ملايين دولار فقط. واعتبر أن جزءاً من المشكلة يرجع إلى انخفاض قيمة الروبل الروسي ونزوح عدد من الشركات المحلية إلى روسيا.
كذلك، تأتي زيارة بوتين لقرغيزستان عقب اعتقال قائد المعارضة في البلاد ورئيس حزب «آتا ــ ميكن» الاشتراكي، أوموربليك تكيباييف، أول من أمس، للتحقيق معه حول قضايا فساد واحتيال، والتي أثارت بعض التظاهرات في الشارع.
من جهة ثانية، اتفق الرئيس الروسي والرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمن، على تشديد الأمن على الحدود الطاجيكية ــ الأفغانية، وذلك خلال زيارة قام بها الرئيس الروسي لدوشنبه في إطار جولته في آسيا الوسطى. وقال بوتين للصحافيين إنه يعتبر طاجيكستان من الدول «الأساسية» في الأمن الإقليمي في آسيا الوسطى. وأكد أنه اتفق مع رحمن على تعزيز الجهود المشتركة من أجل الدفاع عن الحدود الطاجيكية ــ الأفغانية، باستخدام «القدرات العسكرية الروسية الموجودة في القاعدة العسكرية الروسية في طاجيكستان». وأضاف بوتين إن الهدف من القوات العسكرية الروسية المتمركزة في طاجيكستان هو «توفير الأمن بالتوازي لطاجيكستان والحدود الجنوبية للفدرالية الروسية»، مشيراً إلى أن البلدين يتشاطران القلق إزاء انتشار الجماعات الإرهابية، بما فيها تنظيم «داعش» في أفغانستان، وكذلك زيادة الجرائم في هذا البلد وتهريب المخدرات منه.
ويوجد حوالى 7 آلاف جندي روسي من «الفرقة 201» متمركزين في ثلاث منشآت مختلفة. وتقع إحدى تلك المنشآت في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، وتقع المنشأتان الباقيتان في مدينتي كلوب وقرغان تبه الجنوبيتين.
والتقى بوتين في وقت سابق الرئيس الكازاخي، نور سلطان نازارباييف، في مدينة ألماتي التي استهل بها جولته الآسيوية، وهي تعتبر العاصمة الاقتصادية والثقافية لكازاخستان، حيث أثنى على دور كازاخستان في المفاوضات حول الأزمة السورية في العاصمة الكازاخية، آستانة. من جهته، قال نازارباييف إن كازاخستان أصبحت بعد 25 عاماً على تفكك الاتحاد السوفياتي «الشريك السياسي والاقتصادي الأول» لروسيا، مضيفا إنه «خلال 25 عاماً، تمكنّا من تأسيس علاقات نموذجية، يجب أن تكون قائمة بين دول صديقة ومجاورة».
وتعتبر علاقة دول آسيا الوسطى مع الصين، العملاق الاقتصادي على حدودها، واحداً من العوائق التي تقف بوجه تعزيز الاتحاد الأوراسي. والصين هي المستثمر الأول والشريك التجاري الأول لدول آسيا الوسطى. وقد تشكل قواعد الاتحاد الأوراسي عائقاً أمام كازاخستان وقرغيزستان في علاقتهما التجارية مع الصين التي تمكنت من تنفيذ مشاريع هائلة في تلك الدول، مثل خط أنبوب النفط من كازاخستان إلى الصين، وأنابيب الغاز التي تمر من تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان إلى الصين، إضافة إلى خط السكك الحديد من شرق أوزبكستان إلى عاصمتها، طشقند.
ولم تشمل زيارة الرئيس الروسي أوزبكستان، إذ إن الرئيس الأوزبكي الجديد شوكت ميرزيوييف، سيقوم بزيارة لموسكو في المستقبل القريب. وتعدّ أوزبكستان أيضاً من الدول المهمة في آسيا الوسطى بالنسبة إلى روسيا. ويرى العديد من الخبراء أن الحكومة الأوزبكية الجديدة ستعزز علاقتها مع موسكو، وفق تقرير في «روسيا دايركت»، وخصوصاً في مجال التعاون الأمني الطويل الأمد. ورأى التقرير أن على موسكو أن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً التغيرات في العلاقات الإقليمية بين دول آسيا الوسطى كي تحافظ على وجودها القوي ومصالحها هناك.
(الأخبار)