لم يكن اقتراح الميزانية، الذي قدمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس، سوى الخطوة الأولى على مسار أشهر من المفاوضات المرتقبة بين البيت الأبيض والكابيتول هيل، حول كيفية تفصيل هذا المقترح، وتخصيص التمويل. ترامب سيقوم بتقديم اقتراح أكثر تفصيلاً، في أيار، بحسب صحيفة "لو أنجلس تايمز"، وذلك في الوقت الذي ستعمل فيه لجان تشريعية عدّة على التدقيق في طلباته.
وبالنظر إلى واقع أن إقرار الميزانية عادة ما يحتاج إلى وقت طويل، فقد أشار رئيس مجلس النواب، بول راين، إلى أن ميزانية ترامب "خطت الخطوات الأولى على طريق تشاحن تشريعي طويل سيحتاج إلى أشهر، إلى أن تأتي الحاجة إلى تمويل السنة المالية الجديدة في الأول من تشرين الأول".
"عندما يقدّم الرئيس ميزانية، فهذا يكون بداية عملية الميزانية"، قال راين، الذي كان سابقاً رئيساً للجنة الميزانية التابعة لمجلس النواب. "هل أعتقد بأن بإمكاننا أن نقتطع الإنفاق ونلغي تبديد الأموال؟ بالتأكيد"، أضاف راين. ولكنه تساءل: "أين وكيف، وما هو الرقم؟ فإن هذا ما سنعرفه مع الوقت".
في هذه الأثناء، بدأت تظهر على عدد من المشرّعين ــ الديموقراطيون منهم والجمهوريون ــ علامات الحنق من بنود عدة تضمّنتها ميزانية ترامب، خصوصاً عندما تعلّق الأمر بالاقتطاع من الاعتمادات المخصّصة للبرامج المحلية والوكالات الفدرالية. وانتقد عدد من أقرب أصدقاء الرئيس الأميركي في الكونغرس أول ميزانية يطرحها، في الوقت الذي رأى فيه "صقور الدفاع" أن "رفع ميزانية البنتاغون لم يكن كافياً". أما المحافظون في المناطق الريفية، مثلاً، فقد هاجموا الخطط التي تهدف إلى إيقاف جزء كبير من الوكالات والبرامج المحلية.
ويتأثر المزاج العام الذي يطغى على الانتقادات الجمهورية بإجماع مفاده أن ميزانية الرئيس لن تذهب بعيداً جداً في الكابيتول هيل. وإن كان من غير المستغرب أن يتعارض رأي الكونغرس، عادة، مع الأولويات المذكورة في ميزانية البيت الأبيض، إلا أن مقترح ترامب بالذات يضع المشرّعين الجمهوريين في صدام معه، ربطاً بطلبه القيام باقتطاعات في الإنفاق لا يمكنهم تحقيقها.
وقال النائب الجمهوري هال روجرز إنه "في الوقت الذي نحمل فيه مسؤولية تخفيض عجزنا الفدرالي، فإنني أشعر بخيبة لأن العديد من التخفيضات المقترحة في الميزانية الضعيفة تعدّ قاسية جداً وتتّسم بالإهمال، كما تؤدي إلى نتائج عكسية". روجرز الذي كان سابقاً رئيساً للجنة المخصصات التابعة لمجلس النواب، هو واحد من المشرّعين الجمهوريين الذين يعتبرون الميزانية المقترحة من قبل ترامب "صعبة المنال"، معرّبين عن اعتقاد بأن هناك احتمالات صعبة تسمح بأن تتخطى المفاوضات في الكونغرس.
"لم أرَ أبداً ميزانية مقترحة من قبل رئيس لا تتضمن مراجعة جوهرية"، قال السيناتور شارلز غراسلي، مضيفاً: "بما أنني عضو في لجنة الميزانية، سأدقق وأقيّم الأولويات".
من جهة أخرى، هناك من الجمهوريين من يهاجم ميزانية ترامب على أنها فاشلة في معالجة مشكلة الدين والعجز. وقد عبّر السيناتور بوب كوركر عن هذا الموقف، قائلاً: "الحقيقة هي أنه حتى ينوي الرئيس والكونغرس معالجة الدوافع الحقيقية وراء ديوننا... سنكون مشاركين في تكبيل الأجيال القادمة بالحِمل المادي الناتج من النقص في التنظيم الذي ننتهجه"، مؤكداً أن ذلك "ليس إرثاً أريد أن أتركه".
من جهته، واجه مدير الميزانية في البيت الأبيض، ميك مالفيلي ــ الذي كان من أبرز الصقور المدافعين عن ضرورة تخفيض العجز ــ هذه الانتقادات، معتبراً أنها مُحقّة، ولكنه أكد في مؤتمر صحافي أنه "ليس السؤال المناسب (لهذه المسألة) في الوقت الحالي". وقال إن "الميزانية المقترحة لا تتعامل مع قضية الدين، وحتى إنها لا تتعامل مع قضية العجز"، مضيفاً أنها "بكل بساطة، الجزء الأول من عملية الاعتمادات".
وثيقة الميزانية تمثل طموحاً واسعاً بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، ولكنها تترك لمجلس النواب ولجان الاعتمادات التابعة لمجلس الشيوخ مسؤولية القيام بالعمل الصعب، على حدّ تعبير صحيفة "نيويورك تايمز"، مشيرة إلى مثال على هذا الصعيد، ألا وهو البحث عن طريقة لتسديد نفقة بناء جدار على الحدود مع المكسيك.
في غضون ذلك، يبدو أن الأصعب في هذه الميزانية هو تمرير مشاريع الاعتمادات، التي تتضمن اقتطاعات كبيرة من البرامج المحلية، إذ يرى البعض أن من شبه المستحيل تحقيقها في مجلسي الشيوخ والنواب. ويقود هذا الواقع الكونغرس إلى مسار آخر هو عبارة عن إجراءات إنفاق على المدى القريب، الأمر الذي أراد الجمهوريون تفاديه، وفق ما تشير إليه "لوس أنجلس تايمز".
أما مالفاني، فقد واجه كل هذه الهواجس، ملخِّصاً الهدف من الميزانية بالقول إن "الرسالة التي نريد أن نرسلها إلى الكونغرس هي أننا نريد المزيد من المال من أجل القيام بالأشياء التي تحدّث عنها الرئيس"، مشدداً على أن "الدفاع والأمن القومي يشكلان الأولوية".
(الأخبار)