في بداية الشهر الجاري، تعرضت ألواح شوكولا تابعة لشركة «أولكر» لـ«الحرق والطعن والشنق» ــ حرفياً ــ من قبل مناصري الرئيس رجب طيب أردوغان الذين احتجوا في اسطنبول ضد الشركة التي تُعدّ إحدى أكبر الشركات المصنعة للمنتجات الغذائية. أما السبب، فكان «التآمر عبر إعلان تلفزيوني ضد الرئيس التركي». وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت صور الألواح المشنوقة والمحروقة، لحماية أردوغان من المصير الذي لمّحت إليه «أولكر» عبر إعلانها، مرفقة بهاشتاغ #شوكولا_الانقلاب.
الإعلان الذي نشر لمناسبة كذبة الأول من نيسان، يُظهر شقيقين يقومان بتبادل الخدع في ما بينهما. لكن بالنسبة إلى الأردوغانيين، فإن في ذلك رمزية لمحاولة انقلاب ثانية. وتَظهر «الرسائل المبطنة» من خلال وضع أحد الولدين فلفلاً حاراً في قالب الحلوى الذي سيتناوله شقيقه، ما اعتُبر مؤشراً إلى أن أحداً ما يريد دسّ السم لأردوغان وقتله. خدعة أخرى تُظهر أحد الولدين مقيّداً بحبال، اعتبرها الأردوغانيون أنها تمثل تهديداً بأن طرفاً يخطّط لإلقاء القبض على أردوغان.

تتراوح أسباب الحملة
بين الاتهام بالغولينية
والقرب من غول



هذه الحالة الدراماتيكية التي استتبعت مجرد إعلانٍ، قالت شركة «أولكر» إنه بريء ولا يحمل أي رسائل سياسية. لكن المشهد العام يُظهر حالة الشحن الكبرى التي تدرجت إليها البلاد من ليل 15 تموز حتى الآن، أي قبل أسبوعين من الاستفتاء على تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات أردوغان.
وانضم أحد أعضاء البرلمان عن «العدالة والتنمية»، متين كولونك، لحركة تفكيك «الشيفرات المخفية» في إعلان «أولكر»، بقوله لـ«سي أن أن ترك» إن شعار الإعلان (اليوم هو يوم الحساب) «ليس إلا محاولة للتلاعب بنفسية 80 مليون شخص»، مضيفاً أن هذه «الأمة لم تنسَ ولن تنسى ليلة الانقلاب». ولم ينته الأمر بـ«شنق أولكر»، بل فُتح تحقيقٌ قضائي بحق الشركة المملوكة من قبل مؤسسة «يلدز» ويديرها مراد أولكر، ابن مؤسّس الشركة صبري أولكر. وللمفارقة، فإن شركة «أولكر» منذ تأسيسها من قبل صبري أولكر، وهو «المسلم التقي»، لها رمزية معينة في المجتمع التركي، وفق الصحافي مصطفى أكيول في موقع «المونيتور». ويشرح أكيول في تقريره أن «أولكر» كانت مشهورة بين المحافظين الأتراك، وخلال عهد الحكم العسكري في التسعينيات، لم يشجع الجنرالات الذين حكموا البلاد على شراء منتجاتها. وأكمل أكيول أنه شخصياً لاحظ «أتراكاً علمانيين يشترون لأسباب أيديولوجية منتجات شركة إيتي بدل أولكر التي يرون أنها رجعية».


ومنذ بداية حكم «العدالة والتنمية» في عام 2002، لم تعد «أولكر» من المنتجات «المحرمة» في تركيا، فتنفّست الصعداء لعقد من الزمن، قبل أن تبدأ مرحلة حذرة في تاريخ الجمهورية التركية، تكون فيها شركات مثل «أولكر» مجبرة على إظهار الدعم المباشر لأردوغان حتى لا تصادر ممتلكاتها، وهو أمر قد حصل فعلاً مع بعض الشركات التي اتهمت بالارتباط بجماعة فتح الله غولن. وذكر موقع «تركي بورج» أن 527 شركة نقلت إلى صندوق الادخار الحكومي، بينما تم مصادرة أسهم العشرات من رجال الأعمال. وزير البيئة محمد أوزاسكي قال في بداية أيلول إن ما قيمته حوالى 4 مليارات دولار من الممتلكات قد حوّلت إلى الصندوق كجزء من التحقيق الموجّه ضد جماعة غولن. وتُتّهم تلك الشركات بارتباطها بالجماعة التي تشير إليها الحكومة التركية بـ«فيتو» للتدليل على طبيعتها «الإرهابية». وقد ذكرت صحيفة «جمهورييت» في 15 تشرين الأول أن معدل قيمة الشركات التي صادرتها الحكومة يصل إلى 50 مليار دولار.
أما بالنسبة إلى «أولكر»، فإنّ الشركة لم تُخفق في امتحان إظهار الدعم لأردوغان، رغم أنها لاقت انتقادات من أردوغانيين متطرفين. هؤلاء اتهموا مراد أولكر بأنه متعاطف مع زعيمي «العدالة والتنمية» السابقين عبدالله غول وأحمد داوود أوغلو، واللذين استُبعدا من الحزب الحاكم لأسباب غير معلنة، فيما يُقال إنهما «لم يكونا مؤيدين لتوجهات أردوغان». ويُذكر في هذا الإطار أن غول يتعرض حالياً لهجمة من قبل حزب «الحركة القومية» المناصر للتعديلات الدستورية، وذلك لرفضه المشاركة في حملة انتخابية في مدينة قيصرية، مسقط رأسه، إلى جانب رئيس الوزراء بن علي يلديريم.




وعقب الضجة التي أثارها الإعلان، فإنّ «أولكر» نجحت في إبعاد نفسها عن مصير زميلاتها، إلّا أن البعض لم يستبعد التشكيك في أنها منظمة غولينية. الشركة تمكنت من النجاة مرة جديدة بعد إصدارها بياناً أكدت فيه أنها أوقفت عن العمل كل من شاركوا في إعداد هذا الإعلان، في ظل استمرار التحقيق القضائي فيه.
ومع ذلك، فإن هذه الحادثة تؤشر إلى حالة «الهلع» المتزايدة في تركيا، في ظل ربط أي شيء بمؤامرة تحاك ضد أردوغان الذي يذهب إلى أبعد حدود في الدعوة إلى توسيع صلاحياته، مستنداً إلى خطابه العدائي، داخلياً وخارجياً.


وفي السياق، فإنه أكد يوم أمس أنه سيكرر وصف الأوروبيين بـ«النازيين»، وذلك بعد الأزمة مع ألمانيا وهولندا، والتي بدأت بمنع هاتين الدولتين لمسؤولين أتراك من القيام بحملات انتخابية داعمة للاستفتاء على أراضيهما.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالحملة العسكرية التركية خارج الحدود، وكذلك زيارة الرئيس التركي إلى الجنوب الشرقي حيث الأكثرية الكردية، تدخل جميعها في حملة ضمان الانتقال إلى حكم «الزعيم» المطلق، الذي يُعرض عنه في صالات السينما في تركيا حالياً فيلم يمجّد سيرته.