يتابع «حزب العدالة والتنمية» خططه في مرحلة ما بعد الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي حوّل البلاد إلى نظام رئاسي، إذ يعقد الحزب الحاكم مؤتمراً استثنائياً في 21 أيار المقبل، بغية ضم الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى صفوفه من جديد، تمهيداً لتسليمه القيادة.
في الأثناء، تستمر حملة الاحتجازات والإيقاف عن العمل، ضد من تشك السلطة التركية في تورطهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة، التي استتبعتها تركيا بعد أقل من أسبوعين على فوز أردوغان في الاستفتاء، على الرغم مما يسببه ذلك من توتر في العلاقة مع الغرب عموماً والاتحاد الأوروبي خصوصاً.
وقد تحدثت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أمس، عن «تأثر» العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة «بشكل كبير» غداة حملة التوقيفات، لكن دون أن تتكلم عن قطيعة كاملة، إذ «لن يكون في مصلحة ألمانيا أو أوروبا أن ترفض تركيا نهائياً، أو بالنسبة إلى تركيا أن ترفض أوروبا». إلا أن كلام المستشارة تمحور حول «التطورات في الأسابيع الأخيرة»، مطالبة أمام النواب الألمان في برلين الرئيس التركي بالرد على الانتقادات التي جرى توجيهها بعد الاستفتاء حول التعديل الدستوري.
وأشارت ميركل إلى تقرير بعثة مشتركة من مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، الذي رأى أنّ الاقتراع «لم يكن على مستوى المعايير» الأوروبية، وأن الحملة جرت في ظروف منحازة مؤيدة للتصويت بـ«نعم». وقالت ميركل إنّ «على الحكومة التركية أن ترد على الأسئلة التي طرحها هذا التقرير»، محذرة من أنها «ستتابع عن كثب» الأجوبة التي ستقدمها أنقرة. ولمّحت كذلك إلى أن التطورات الأخيرة في تركيا يمكن أن تؤدي إلى رد من الاتحاد الأوروبي، إذ «سنبحث داخل الاتحاد الأوروبي، بوضوح وحكمة، التداعيات المحددة التي نعتبرها مناسبة في الوقت الملائم».
ومرة جديدة، نددت المستشارة باعتقال أنقرة الصحافي الألماني ــ التركي دنيز يوجل، مراسل صحيفة «دي فيلت» الألمانية، المتهم بدعاية «إرهابية» والتحريض «على الحقد». وقالت ميركل: «كي نكون واضحين، حين تقوم سلطة تنفيذية، وفي هذه الحالة السلطة التركية، بإصدار إدانات علنية مسبقاً، كما حصل بالنسبة إلى دنيز يوجل، فإن هذا لا يتماشى مع دولة القانون».
وعلى الرغم من التوترات، سيشارك وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول المرشحة لدخول الاتحاد، اليوم في مالطا، وفق بيان للخارجية التركية. وسيحضر جاويش أوغلو إلى الاجتماع بناءً على دعوة وزيرة خارجية الاتحاد، فيديريكا موغيريني، ووزير خارجية مالطا، جورج فيلا، الذي تترأس بلاده حالياً الاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، استتبعت تركيا مساء أول من أمس، حملة التوقيفات، إذ بعدما احتجزت صباحاً حوالة 1120 شخصاً يشتبه في انتمائهم إلى شبكة الداعية فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز الماضي، أوقفت السلطات 9103 شرطيين عن العمل للأسباب نفسها، وفق وكالة «الأناضول»، وذلك في أكبر حملة في الأشهر الأخيرة.
وعلى أثر تلك التوقيفات، طالب الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» ينس ستولتنبرغ، أنقرة بـ«احترام كامل لدولة القانون». لكنه رأى، غداة وصوله للمشاركة في اجتماع للاتحاد الأوروبي في مالطا حيث سيلتقي وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، أنّ «من المؤكد أن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها وفي ملاحقة المسؤولين عن محاولة الانقلاب الفاشلة، لكن ذلك يجب أن يكون في إطار الاحترام الكامل لدولة القانون».
وشدد الأمين العام لـ«الأطلسي» على أن «تركيا حليف أساسي، ولعدة أسباب، خصوصاً بسبب وضعها الجغرافي الاستراتيجي، لكونها تقع على حدود العراق وسوريا مع كل الاضطرابات وأعمال العنف التي نشهدها، لكن أيضاً (هي) قريبة من روسيا على البحر الأسود». وأضاف أن «تركيا شهدت عدة هجمات إرهابية، لم يشهد أي حليف آخر عدداً مماثلاً».
من جانب آخر، يبدو أنّ التوتر التركي الأوروبي لم ينعكس على العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، إذ أكد السفير الأميركي في أنقرة جون باس، أمس، أن بلاده ملتزمة مساعدة تركيا «على أن تكون قوية، لكن أيضاً ديموقراطية رغم الخلافات في قضايا أساسية»، وذلك قبل المحادثات المرتقبة الشهر المقبل بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب، والتركي رجب طيب أردوغان.
وتأمل أنقرة تحسن العلاقة مع واشنطن بعدما شهدت سلسلة خلافات بشأن سوريا ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز، في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وقد أظهر باس في خطابه أمام «قمة إسطنبول» التي ينظمها مركز «أتلانتيك كاونسيل» أن الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب مستعدة للعمل مع تركيا، بقوله إنّ «من الواضح أن من مصلحتنا القومية أن تكون تركيا قوية وسلمية ومزدهرة وديموقراطية». وأضاف أن «هناك بالطبع بعض التحديات في مساعدة الجميع في هذا المجتمع على تحقيق ذلك الواقع في المستقبل، ولدينا بعض الخلافات». لكنه قال إن «طريقة تعاملنا مع هذه الخلافات وتحقيق هذه الأهداف عبر العمل معاً بشكل وثيق أكثر وفي نفس الاتجاه يُعتبر أمراً أساسياً لما نقوم به في مجال الدبلوماسية».
وتزامناً مع التعليقات الغربية، أعلن مسؤول كبير في حزب «العدالة والتنمية»، أمس، أن الحزب سيعلن الرئيس رجب طيب أردوغان مرشحاً لزعامته في مؤتمر غير عادي في 21 أيار المقبل. وكان الرئيس التركي قد ذكر في مقابلة مع وكالة «رويترز»، منذ يومين، أنه سيستعيد عضوية الحزب فور إعلان النتائج النهائية والرسمية للاستفتاء. ويُذكر أن التعديلات الدستورية التي أقرها الاستفتاء تسمح للرئيس بالاحتفاظ بالروابط السياسية الحزبية.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)