‎بعيداً عن كل الأماني المرتبطة بانتخابات الرئاسة الإيرانية ونتائجها، وبغض النظر عن حصولها في توقيت إقليمي وداخلي حساس، إلا أنه لا شك في أنها ستشهد مفاجآت، ليس أقلّها الانتقال إلى دورة ثانية، وقد تبلغ حد عدم وصول الرئيس حسن روحاني إلى دورة ثانية في سابقة، لو حصلت، ستكون الأولى من نوعها في الجمهورية الإسلامية.
لعلّ المعضلة الأولى التي تواجه روحاني هي فقدان «الأمل» الذي ميّز الانتخابات على ولايته الأولى. وقتها، كان هناك رهان لدى الشارع، بعد ولايتين صداميتين للرئيس محمود أحمدي نجاد مع الغرب، على انتعاش اقتصادي وشيك بفعل المعادلة التي طرحها روحاني وقوامها «انفتاح فمفاوضات فاتفاق (نووي) فرفع للعقوبات فازدهار».
ما كان أملاً خضع للتجربة المباشرة، وفترة ما بعد الاتفاق النووي مع ما تضمنته من تعنّت أميركي أكدت ما حذر منه «المرشد» على الدوام عن أنه «لا يمكن الوثوق في أميركا». النتيجة باتت واضحة: لا رفع للعقوبات مهما قدمت طهران من تنازلات.
المعضلة الثانية انكشاف حقيقة أنه من طراز الزعماء المرفّهين، والمقصود أنه ليس من المدمنين على العمل، المتفانين في سبيل إنجاح مهمتهم. كان ذلك قد بدا واضحاً في مقابلاته خلال الحملة الانتخابية. بدا غير ممسك بتفاصيل الملفات، خلافاً لنائبه إسحاق جهانكيري، الذي أعطى انطباعاً بأنه ملمّ بتفاصيل التفاصيل في كل ما أثير من نقاشات.
هدف ترشيح جهانكيري حجز مقعد إضافي في السباق للدفاع عن روحاني ومشروعه، في خطوة لعبت دوراً معاكساً للهدف المرجو منها. أعطت الانطباع لدى الشارع بأن روحاني ضعيف للحد الذي جعله بحاجة إلى شخص آخر يتلقى هجمات الخصوم عوضاً عنه، على أن ينسحب في نهاية السباق ويجيّر أصواته للرئيس.
كان الوضع مختلفاً في الانتخابات السابقة. وقتها، انسحب محمد رضا عارف من السباق بعدما تأكد أنه لن ينجح، فارتأى الإصلاحيون أن يبيعوا خطوة كهذه إلى روحاني في مقابل مكاسب في الإدارة الجديدة.
‎أما هذه المرة، فانقلبت الآية. كان التخطيط كما أسلفنا. ولكن بعد الانطباع الذي خلّفه روحاني وجهانكيري لدى الشارع الإيراني، انطلق نقاش في صفوف الإصلاحيين عن السبب في دفع الأخير إلى الانسحاب، بل بلغ بضعهم حداً في الدعوة إلى انسحاب روحاني لمصلحته. يحاججون بأن النتيجة التي يحصل عليها في استطلاعات الرأي سببها اقتناع الجمهور بأنه سينسحب في نهاية المطاف. ويعتقدون أن أرقامه هذه ستحلّق لو أعطى انطباعاً مختلفاً للناس.
في كل الأحوال، وبحسب استطلاعات الرأي، فإن هناك شبه استحالة في أن يفوز روحاني من الدورة الأولى، ما لم تحصل مفاجأة غير متوقعة. حالة بحد ذاتها ترفع من حظوظ الأصوليين في السباق.
على ضفة هؤلاء، الوضع مختلف قليلاً. رفض المرشحان محمد باقر قاليباف وإبراهيم رئيسي الإذعان لرغبة «الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية» في انسحاب أحدهما لمصلحة الآخر. حجج قاليباف كثيرة، لعلّ أبرزها أنه الأكثر شعبية في صفوف الجمهور، وأنه وجه معروف خلافاً لرئيسي. كما أنه يتمتع بخبرة طويلة في الإدارة من خلال توليه لفترة طويلة رئاسة بلدية طهران، حيث حقّق إنجازات تشهد على كفاءته. إنجازات يرى أنها تعطيه الحق في أن يكافأ بالمضي قدماً باتجاه منصب الرئاسة.
في المقابل، فإن رئيسي لديه حججه أيضاً، أولاها أن إخفاق قاليباف في الفوز بالرئاسة رغم أنه ترشح إليها مرات ثلاث، مؤشر كافٍ ليتراجع عن طموحه. يعتقد أنه، على الرغم من عدم تمتعه بخبرة كافية في الإدارة، سيعوّض عن ذلك بالاستعانة بفريق من الإداريين الأكفّاء. والورقة التي يراها رئيسي رابحة في سباقه، هي بالضبط ما اعتبرها قاليباف ورقة نقص، أي أنه وجه غير معروف. يعتقد أن هذه ميزة لديه على قاليباف الذي بات شخصية مستهلكة، شكلاً وبرنامجاً.
مهما يكن من أمر، وفقاً للمسار الحالي للحملة الانتخابية، يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الذهاب باتجاه دورة ثانية، بين روحاني وأحد المرشحين الأصوليين. عندها سيزداد الاصطفاف حدّة، ما يستفز الشارع للاقتراع، وبالتالي ارتفاع نسب التصويت. العامل المقرر في النتيجة ستكون الكتلة العائمة، غير الملتزمة حزبياً، وإنما تصوّت وفقاً لمصالحها. بمعنى أنها تصوّت للمرشح الذي تعتقد أن برنامجه هو الأفضل بالنسبة إليها. عندها ربما تكون فرصة لاستعادة الأصوليين للسلطة التنفيذية. في النهاية، ليس من بين مرشحيهم شخصية مستفزة بتطرّفها (كما سعيد جليلي وغلام علي حداد عادل على سبيل المثال)، فضلاً عن أن أجواء ما بعد دونالد ترامب تجري لغير مصلحة روحاني.