غداة تسريب البرنامج الانتخابي لحزبه، خرج رئيس حزب «العمال» البريطاني جيريمي كوربن أمس بثقة، ليطرح رؤية حزبه للسياسة الخارجية التي تأخذ حيزاً واسعاً في حملة الانتخابات التشريعية البريطانية المرتقبة في الثامن من حزيران المقبل.
لكن أكبر حزبين بريطانيين، «العمال» و«المحافظين»، يسيران في اتجاهين مختلفين كلياً. واستغل كوربن كلمته ليعيد التأكيد على أنه، على عكس رئيسة الحكومة الحالية تيريزا ماي، لن يبقى في ما سمّاه «تحالف المخاطر» مع الولايات المتحدة، بل إن «بريطانيا عمّالية في عهد كوربن ترفض الحروب الكارثية». وبينما تمضي ماي حملتها الانتخابية بالهجوم على «العمّال» وعلى كوربن، من دون أن تقدم رؤية واضحة، وجّه كوربن كلمة قاسية انتقد فيها بسخرية توجّه ماي في السياسة الخارجية، بقوله إن حكومة عمالية «لن تمسك يد دونالد ترامب»، في إشارة إلى المشهد الشهير في زيارة ماي واشنطن في كانون الثاني الماضي، حين أمسك ترامب بيدها وهما يسيران في البيت الأبيض.
بدورها، اكتفت ماي التي تتعرض للانتقاد بسبب سعيها إلى إلغاء نظام الرعاية الصحية، بخطاب «واضح وقوي» أمس، دعت فيه الناخبين إلى التصويت لمن «يريدون رؤيته يحكم البلاد لخمس سنوات مقبلة».
وفصّل كوربن في مركز «تشاتام هاوس» (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، نقاط سياسة خارجية لحكومة بقيادة «العمال»، متناولاً بشكل خاص «الحرب على الإرهاب» والأزمة السورية ونيته وضع سياسة خارجية مستقلة عن السياسة الخارجية الأميركية التي انتقد توجّهها في سوريا. ورأى كوربن أن «الحرب على الإرهاب» أخفقت وكذلك «محاولات تغيير الأنظمة السياسية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا»، إضافة إلى إخفاق «التدخلات الغربية في أفغانستان والصومال واليمن»، والتي «حولت العالم إلى مكان خطير». وأضاف أن وجود جنود بريطانيين في الشرق الأوسط «لم يعزز أمننا الداخلي، بل على العكس، سبب الفوضى والدمار في الخارج»، لذا رأى أن من الضروري «التراجع وإعادة النظر».
ورغم تأكيده أن حكومة عمالية ترغب في علاقة «ودية وقوية» مع الولايات المتحدة، لكنه انتقد أداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معتبراً أنه «يحوّل العالم إلى مكان خطير» بتصعيده مع كوريا الشمالية وقيامه بضربة عسكرية منفردة على سوريا ومعارضته «للاتفاق النووي الذي قام به الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران ودعمه لسباق نووي جديد».
وفي انتقاد لأداء حكومة ماي، أكد كوربن أن حكومة عمالية لن تنتظر ما يحصل في واشنطن لتقرر سياساتها، لأن «اللعب مع إدارة ترامب غير المنظمة لن يقود إلى الاستقرار». وتابع منتقداً ما قالته ماي في زيارتها الولايات المتحدة، عن «خطر صعود الصين والهند على الغرب»، وأن «استخدام جيشي بريطانيا وأميركا يحمي مصالحهما»، معتبراً أن «هذا الأسلوب في التعاطي هو ما أدى إلى الكارثة في العراق وليبيا، وكل الحروب الكارثية في حقبة ما بعد الحرب الباردة». ومع تشديده على أنه لا يرى الصين والهند بالطريقة نفسها التي تراهما بها ماي، قال إن «بريطانيا تستحق ما هو أفضل من مجرد اللحاق بإدارة ترامب».
وعن سوريا، وضع كوربن مقاربة دبلوماسية، قائلاً إنه «من الواضح أن التصويت لتيريزا ماي يعني تصويتاً لتصعيد الحرب في سوريا، والمخاطرة بمواجهة عسكرية مع روسيا، وزيادة عذاب الشعب السوري وعدم الأمن العالمي». وتابع أن حكومة عمالية ستقف «إلى جانب شعب سوريا»، وستضغط «لوضع تحقيق جدي في جرائم الحرب، وتحرص على نجاح محادثات جنيف».
وتحدث كوربن كذلك عن أن دعم «العمال» لتجديد الأسلحة النووية «لا يمنع العمل... من أجل إنجاز المزيد بشأن تخفيض الترسانات النووية». وأكد أن حكومة عمالية «ستعمل بالتزام ثلاثي الأبعاد يجمع وسائل السياسية الخارجية: الدفاع والتطور والدبلوماسية»، مشدداً على «الالتزام بعدم استخدام الأسلحة النووية وباتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية».
وبطبيعة الحال، انتقد وزراء ماي حديث كوربن، إذ قال وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، إن مقاربة كوربن لموضوع الأسلحة النووية والسياسة الدفاعية تضع «أمن بريطانيا» في خطر. أما وزير الخارجية بوريس جونسون، فقال إنه يشعر بالقلق من مقاربة كوربن للسياسة الخارجية، معتبراً أنه «رجل عمل طوال حياته لإضعاف القدرة الدفاعية للمملكة المتحدة».
هذا التوجه الذي يرسمه حزب «العمال» في السياسة الخارجية، تحدثت عنه النائبة العمالية إيميلي ثورنبري، في صحيفة «ذي غارديان»، موضحةً أن مقترحاته هي عبارة عن الطروحات «الأخلاقية» للراحل روبت كوك، وهو أحد أبرز أعضاء الحزب السابقين. وتتضمن هذه السياسة، وفق ثورنبري، أولوية العودة إلى محادثات نزع الأسلحة النووية وتعليق بيع الأسلحة إلى السعودية، مع إطلاق تحقيق للأمم المتحدة بشأن جرائم الحرب التي ترتكبها السعودية في اليمن. وأكدت ثورنبري أن «العمال» سينفذ تلك الطروحات بشكل مباشر، وذلك في مقال كتبته في الصحيفة لمناسبة مرور 20 عاماً على خطاب شهير لكوك قبل أن يستقيل من الحكومة في عام 2003 بسبب الحرب على العراق. وذكرت أن كوك في خطابه عام 1997 قال إن على بريطانيا أن تكون قوة للخير في العالم، مؤكدة أن هذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة العمالية، ومردّدة ما ذكره كوربن عن ضرورة الابتعاد عن سياسة الولايات المتحدة الخارجية بقيادة ترامب.
(الأخبار)