أتمّ الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، بعد أقل من يوم على توليه السلطة رسمياً، مهمتين، أمس، أولاهما تعيين رئيس جديد للحكومة، الجمهوري إدوارد فيليب، وثانيتهما زيارة برلين كأول محطة خارجية له كرئيس للجمهورية، ولقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي استقبلت قبله ثلاثة رؤساء فرنسيين، في اجتماع تعززت خلاله أهمية الثنائي الفرنسي ــ الألماني بالنسبة إلى المشروع الأوروبي.
مهمة «الحج إلى برلين» تمت بسلاسة مع استقبال حار من المستشارة الألمانية، خصوصاً أن للزيارة أهمية كبيرة بالنسبة إلى الرئيس الشاب الذي تعهد بتحديث منطقة اليورو وإعادة تأسيس أوروبا وجعلها «أكثر فاعلية وأكثر ديموقراطية».
وانعكست الحماسة التي كانت على ملامح ماكرون قبيل وصوله إلى برلين في المؤتمر الصحافي المشترك مع ميركل، إذ عبّر كلاهما عن أهمية العلاقة القوية بين بلديهما بالنسبة إلى أوروبا وضرورة العمل على «دينامية جديدة» في تلك العلاقة. لكن ماكرون أعاد بثقة التذكير بخطته «الإصلاحية» لأوروبا، مؤكداً أن «الأجندة الفرنسية ستكون أجندة إصلاحات في الأشهر المقبلة، ليس لأن أوروبا تطالب بها، بل لأن فرنسا بحاجة إليها». وأبدى الرئيس الفرنسي الاستعداد لتغيير المعاهدات الأوروبية إذا لزم الأمر، وهو موضوع جدلي لا يجد في برلين ترحيباً كبيراً لدى جزء من حزب «الاتحاد المسيحي الديموقراطي» الحاكم. ودعا ماكرون إلى «إعادة صياغة تاريخية» لأوروبا، مؤكداً معارضته لتبادل منافع «ديون الماضي» في منطقة اليورو التي تحتاج إلى «سياسة استثمارات في مشاريع عامة وخاصة، وبالتالي لأن تملك قدرة تمويلية».

على ماكرون تأمين الأغلبية البرلمانية في الداخل لتنفيذ وعوده


ورغم الثقة التي أبداها ماكرون، إلا أن حديثه بيّن طول الطريق الذي عليه اتباعه ليصل إلى تطبيق تلك الطروحات، بدايةً بإقناع أصدقائه في برلين، وصولاً إلى تغييرات داخلية ضرورية كخطوة أولى، وفق تقرير في مجلة «بوليتيكو». وليتمكن ماكرون من مناقشة تعديل الاتفاقات الأوروبية وتخصيص ميزانية وبرلمان ووزير مالية لمنطقة اليورو، كما اقترح، عليه أولاً أن يفي بوعده بتحديث «سوق العمل» في فرنسا. وينوي الرئيس الجديد تسريع عملية التحديث عبر استخدام مادة في الدستور تتيح إصدار مراسيم حكومية من دون الحاجة إلى المرور بالإجراءات البرلمانية الطويلة، لتلي تلك المرحلة إقرار الميزانية في عام 2018 وتقليص الإنفاقات الحكومية.
وللوصول إلى تلك المرحلة، على ماكرون تأمين الأغلبية البرلمانية في الداخل التي ستسمح له بتشكيل حكومة بسهولة، ومن ثم تمرير القرارات والإصلاحات التي تمهد لتطبيق سياساته الاقتصادية والمالية. ولتأمين تلك الأغلبية، يتبع ماكرون وفريقه سياسة استقطاب واضحة لجزء من اليمين، وجزء من اليسار، كانت ذروتها أمس في تعيين اليميني من حزب «الجمهوريين»، إدوارد فيليب (46 عاماً)، رئيساً للوزراء، والذي عليه أن يشكل حكومته اليوم، والتي من المفترض أيضاً أن تحتوي على وزراء يمينيين.
وعلى الرغم من بعض الآراء السلبية سابقاً بماكرون، إلا أن فيليب تمكن من إقناع الرئيس الجديد بأنه أهل لهذه المهمة، وتوطدت العلاقة بينهما نتيجة لتشاركهما الأفكار ذاتها، مع العلم بأن فيليب كان من أبرز الناشطين في حملة المرشح اليميني للانتخابات الرئاسية، آلان جوبيه، ويتولى منصب عمدة منطقة الهافر في النورماندي عن حزب «الجمهوريين».
وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن اسم فيليب كان قيد التداول في الأيام القليلة الماضية، وذلك أن اختياره، وهو من أقطاب «الجمهوريين»، يدخل ضمن خطة ماكرون لجذب اليمين، ولكن من ناحية أخرى، لتسريع عملية انهيار «الأحزاب القديمة» التي تشاركت السلطة على مدى أربعة عقود.
وللمفارقة، فإن فيليب المتخرج في معهد العلوم السياسية، قد بدأ، مثل ماكرون، العمل السياسي كناشط في «الحزب الاشتراكي» قبل أن يتقرّب من اليمين لاحقاً. وفي عام 2001، انضم إلى بلدية الهافر وتسلم رئاستها في عام 2010، لكن حضوره السياسي قد برز في ظلّ آلان جوبيه، الذي شارك إلى جانبه في عام 2002 في تشكيل «الاتحاد من أجل حركة شعبية».
ويندرج اختيار فيليب، الوجه غير المعروف كثيراً لدى الرأي العام، في سياق عملية «التجديد» التي يرغب فيها ماكرون ويسعى إلى تنفيذها، عبر كسر اليمين، فهو لم يتوقف عن العمل على وضع أسس حوار مباشر مع جزء من هذا اليمين، خصوصاً مع المقرّبين من جوبيه. كذلك، فإن جزءاً كبيراً من هؤلاء قد ترشح إلى الانتخابات التشريعية تحت اسم حركة «الجمهورية إلى الأمام».
أما النقطة الأبرز في مغزى تولّي فيليب رئاسة الحكومة، فهي رغبة ماكرون في إعادة التوازن إلى الغالبية الرئاسية، التي سيقاس حجمها في الانتخابات التشريعية في 11 و18 حزيران، فيما ينتظر بعض أقطاب «الجمهوريين» تحقيق فوز في تلك الانتخابات، يرغم ماكرون على التعايش معهم في ائتلاف حكومي.
(الأخبار)