بالرغم من تقديم أثينا تنازلات «مؤلمة» لدائنيها في مقترحاتها الأخيرة لحل أزمة الديون، رفض صندوق النقد الدولي المقترحات الأخيرة، مطالباً بالمزيد من الاقتطاعات في النفقات العامة وبزيادات أكبر على ضريبة القيمة المضافة. وذلك فيما صرح المتحدث باسم وزير المالية الالماني بأن «الحل غير ممكن إن لم توافق عليه المؤسسات الثلاث»، أي المفوضية الاوروبية والبنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، موضحاً أن «ذلك يعني بالاخص صندوق النقد الدولي» الذي تتهمه أثينا بـ«مسؤولية جنائية» عن إغراقها بالديون.
واتهم رئيس الوزراء اليوناني، الكسيس تسيبراس، يوم أمس صندوق النقد الدولي بعرقلة المفاوضات بين بلاده والجهات الدائنة، وذلك قبل وصوله إلى بروكسل لعقد سلسلة اجتماعات بهذا الشأن. ودان تسيبراس «اصرار بعض المؤسسات (الدائنة) على رفض اجراءات تعويضية»، قائلاً إن الأمر «لم يحدث إطلاقا في السابق، لا في ايرلندا ولا البرتغال ولا في أي مكان آخر»، في إشارة إلى البلدين اللذين استفادا من خطة «انقاذ» من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد. ورفضت الحكومة اليونانية أمس «اقتراحاً مضاداً» طرحته الجهات الدائنة على اثينا، يتضمن خصوصا رغبات صندوق النقد الدولي الآنفة الذكر.
لا يريد الدائنون التوصل لاتفاق، أو أنهم يخدمون مصالح معينة في اليونان
ويأتي "الاقتراح المضاد" بعد ساعتين من اعراب تسيبراس عن اسفه لان صندوق النقد الدولي لم يوافق على التدابير التي اقترحتها اثينا الاثنين في اجتماع قادة دول منطقة اليورو في بروكسل، والتي اعتبرها الدائنون آنذاك ايجابية. وفي ما يبدو توزيعاً للأدوار بين الجهات الدائنة، قال مارتن جاغر، المتحدث باسم وزير المالية الالماني، ولفغانغ شويبله، إن «الطريق لا يزال طويلا» قبل ان تتوصل اليونان الى اتفاق مع المؤسسات الثلاث الدائنة، مؤكداً على وحدة موقف الأخيرة، خاصاً بالذكر صندوق النقد الدولي.
ونقل مسؤول حكومي يوناني عن تسيبراس قوله إن تعنت الدائنين «لا يعنى سوى واحد من أمرين: إما انهم لا يريدون التوصل لاتفاق، أو انهم يخدمون مصالح معينة في اليونان».
وفيما يمارس الدائنون شتى أنواع الضغوط على أثينا، ويشترطون قبولها إجراءات «تقشف» جديدة مرفوضة شعبيا مقابل الإفراج عن الشريحة الأخيرة من الديون المرصودة لها، رفع المصرف المركزي الاوروبي مجددا يوم الثلاثاء الماضي سقف المساعدات الطارئة التي يمنحها للمصارف اليونانية، حسبما افاد مصدر مصرفي يوناني. وفيما لم يتم تحديد قيمة رفع السقف، تجدر الإشارة إلى أنها المرة الرابعة التي يلجا فيها المصرف المركزي الى هذا الاجراء؛ بل إن المصرف المركزي الاوروبي أبدى استعداده للتدخل في اي وقت لمساعدة المصارف اليونانية. وبحسب الارقام الرسمية، فان السحوبات من المصارف اليونانية من القطاعين العام والخاص بلغت 30 مليار يورو منذ تشرين الاول الماضي، أي حوالي 20% من المدخرات.
وأثارت الاقتراحات الأخيرة التي قدمتها الحكومة إلى الدائنين عاصفة انتقادات داخل التحالف اليساري (سيريزا) الحاكم. واعتبر النائب عن «سيريزا»، يانيس ميهالوياناكيس، يوم أمس أن اتفاقية قائمة على تلك المقترحات ستزيد حال المواطنين اليونانيين سوءا، داعياً تسيبراس لسحب المقترحات الأخيرة.
وطالب بيان صدر عن «منتدى اليسار» المنضوي في إطار تحالف «سيريزا»، اليوم الثلاثاء، بعقد مؤتمر طارئ للتحالف من أجل مناقشة سياساته وحتى تغيير قياداته، في حال لم يوافق البرلمان اليوناني على اتفاقية مع الدائنين قائمة على الاقتراحات الأخيرة للحكومة. وفي الإطار نفسه، عارض أعضاء في البرلمان ينتمون إلى «منتدى اليسار» المقترحات الجديدة، وأعلن بعضهم أنه لن يصوت بالموافقة على اتفاقية مع الدائنين تقوم على تلك المقترحات، وخصوصاً في ما يتعلق بزيادة الضرائب. وفي المقابل، دافع وزير الداخلية اليوناني، بانوس سكورليتيس، في تصريحات صحافية يوم أمس عن المقترحات، معتبراً أن اتفاقية قائمة على المقترحات الأخيرة ستعود بالخير على الشعب اليوناني. وذلك فيما أشارت وسائل الإعلام اليونانية إلى احتمال ذهاب البلاد لانتخابات تشريعية مبكرة في حال رفض البرلمان للاتفاقية، وخاصة أن الحملة الانتخابية التي أوصلت «سيريزا» إلى الحكم ارتكزت على وعود بإنهاء سياسة «التقشف» التي زادت الحالة الاجتماعية ــ الاقتصادية للبلاد سوءاً.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)