باريس | بعد 48 ساعة من التجاذبات والمفاوضات الشاقة، كشف قصر الإليزيه، ظهر أمس، عن تشكيلة حكومة ماكرون الأولى التي ستدير دفة الحكم خلال الأسابيع الأربعة الحساسة المقبلة، في انتظار التوازنات البرلمانية الجديدة التي ستسفر عنها الانتخابات التشريعية، الشهر المقبل. توازنات سيتحدد على ضوئها مصير هذه الحكومة الماكرونية الأولى: هل ستبقى في الحكم في حال بروز «أغلبية رئاسية»، أم هل يضطر ماكرون إلى تنحيتها وتعيين «حكومة مساكنة» في حال بروز أغلبية برلمانية معارضة؟
حكومة ماكرون الأولى، التي أُسندت رئاستها الى عمدة لوهافر السابق، إدوارد فيليب، الذي ينتمي الى حزب «الجمهوريين» اليميني، وكان مقرّباً من ألان جوبيه، لم تفِ سوى بوعد واحد من الوعود الانتخابية الماكرونية، وهو التكافؤ العددي بين الرجال والنساء، إذ تضم الحكومة الجديدة 9 وزراء و9 وزيرات، إضافة الى أربعة «مندوبي دولة» أو «نواب وزراء» (رجلان وامرأتان).
على صعيد توزيع الحقائب الوزارية، قورنت تشكيلة هذه الحكومة بـ«السَلَطة الروسية»: خلطة غير متجانسة من الوزراء القادمين من كافة الأطياف السياسية، باستثناء اليمين المتطرف. فإلى جانب رئيس الحكومة إدوارد فيليب، هناك وزيران من حزب «الجمهوريين»: مرشح انتخابات اليمين التمهيدية السابق، برينو لومير، في منصب وزير الاقتصاد، وجيرالد دارمانان في منصب وزير الخزينة العمومية.

أُسندت «وزارة الجيوش»،
التسمية الجديدة لوزارة
الدفاع، إلى امرأة

تيار يمين الوسط، الذي شكّل السند الرئيسي لماكرون أثناء ترشيحه للرئاسة، حظي هو الآخر بثلاث حقائب وزارية. فقد تم تعيين رئيس حزب «التيار الديموقراطي» الوسطي، فرانسوا بايرو، في منصب وزير العدل، ونالت نائبته ماريان دوسارنيز حقيبة وزارة الشؤون الأوروبية، بينما أُسندت وزارة الجيوش (التسمية الجديدة لوزارة الدفاع) إلى سليفي بولار، لتكون بذلك ثاني امرأة تتولى حقيبة الدفاع في فرنسا، بعد الديغولية ميشال أليو ماري.
ائتلاف الاشتراكيين والخضر، الذي بُنيت على أساسه الأغلبية الرئاسية في عهد فرانسوا هولاند، نال هو الآخر ثلاث حقائب وزارية، إذ عيّن وزير الدفاع السابق جان إيف لودريان وزيراً للخارجية، وأسندت وزارة الداخلية الى عمدة ليون الاشتراكي جيرار كولومب، بينما عُيّن مرشح الخُضر السابق للانتخابات الرئاسية نيكولا إيلو وزيراً للتضامن والانتقال البيئي.
عصرنة الحياة السياسية، التي ينادي بها ماكرون، تُرجمت من خلال خطوتين رمزيتين، تمثلت الأولى في المنحى النسائي عبر المساواة في عدد الحقائب الرئاسية، وأيضاً من خلال تعيين امرأة في منصب وزيرة الدفاع. أما الخطوة الثانية فتُرجمت من خلال موجة تجديدية غير مسبوقة، إذ تمّ تعيين 10 وزراء (من مجموع 18 حقيبة) من الوجوه الشابة التي لم يسبق لها أن تولّت أيّ مسؤوليات سياسية، كوزراء أو نواب أو حتى كمنتخبين محليين.
عدا عن ذلك، لم يلبث السحر أن انقلب على الساحر. فقد جاءت نتائج استراتيجية ماكرون الهادفة إلى استقطاب وزراء من مختلف الاطياف السياسية معاكسة تماماً لما كان يأمله الرئيس الجديد. هدف نزيل الإليزيه من خلال «السَلَطة الروسية» الحكومية كان توسيع قاعدته السياسية، أملاًَ بأن يسهم ذلك في منحه «أغلبية رئاسية» خلال الانتخابات التشريعية المقبلة. لكن قيادات الحزبين العتيدين، «الاشتراكي» و«الجمهوري»، أدانت هذه المبادرة، واعتبرت المنضمين إلى الحكومة الجديدة من بين كوادرها بمثابة منشقين.
«الجمهوريون» أعلنوا فصل المنضمين إلى الحكومة من كوادرهم، بمن فيهم رئيس الحكومة إدوارد فيليب. أما الاشتراكيون، فقد انتقدوا خيارات ماكرون، معتبرين أن منح مفاتيح الاقتصاد إلى وزراء يمينيين (إدوارد فيليب في رئاسة الحكومة، برينو لومير وزيراً للاقتصاد، جيرالد دارمانان وزيراً للخزينة) مؤشر على التوجهات اليمينية المغالية التي ستطبع عهد ماكرون. توجهات قال بيان صادر عن الحزب الاشتراكي، أمس، إنّها ستصبّ في «تخفيض الضريبة على الشركات، وإلغاء ضريبة الثراء، والمساس بحقوق العمال، وتخفيض أعداد موظفي قطاع الدولة، وكسر نظام الخدمات العمومية».
بذلك لم ينجح ماكرون في كسب رضى حلفائه الجدد اليمينيين ولا رفاقه السابقين في الحزب الاشتراكي!