قال الناخب الإيراني كلمته، أمس، وحسم أمره، واضعاً بذلك حداً لثلاثة أسابيع من الحملات الانتخابية المنهِكة، التي جهدت لاستمالته إلى هذا الطرف أو ذاك، مُستهدفة قضاياه الحياتية واليومية المختلفة، من اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية.
الكلمة الفصل وُضعت في صناديق الاقتراع، على أن تُترجم بين اليوم والغد إلى نتائج رسمية، ربما تمنح الرئيس حسن روحاني ولايته الثانية، أو تعطي منافسه المحافظ السيد إبراهيم رئيسي فرصة الدخول إلى المعترك السياسي، في ما قد يعدّ مخالفاً للعرف السائد بحكم الرئيس الإيراني لولايتين.
من الساعة الثامنة صباحاً، بدأ الإيرانيون بالتوجّه إلى أقلام الاقتراع، حيث اصطف الملايين منهم في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم، في مؤشر على الإقبال الكثيف الذي اضطُر وزارة الداخلية إلى تمديد فترة التصويت ثلاث مرات، بين الساعة السادسة مساءً والـ12 ليلاً. وفيما من المتوقع أن يبدأ إعلان النتائج، على نحو تدريجي، عند انتهاء الفرز في المحافظات، صرّحت وزارة الداخلية الإيرانية بأن أكثر من 40 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم، أي بنسبة إقبال تصل إلى نحو 70 في المئة.
وفي بداية النهار الانتخابي الطويل، دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي الإيرانيين إلى المشاركة في الانتخابات بدقة وملاحظة ومعرفة. وخلال الدقائق الأولى من انطلاق العملية الانتخابية، شدد خامنئي، عند إدلائه بصوته، على أهمية الانتخابات الرئاسية. وقال إن «مصير البلاد في أيدي أبناء الشعب، لأنهم ينتخبون رئيس السلطة التنفيذية».

دعا روحاني ورئيسي إلى
احترام خيار الإيرانيين بغض
النظر عن النتيجة
وفيما تجري الانتخابات البلدية تزامناً، لفت المرشد الأعلى إلى أن «انتخابات المجالس البلدية مهمة أيضاً، لأن منتخبي الشعب يتولون الخدمات البلدية والريفية، أي القضايا اليومية للمواطنين».
ويتنافس في الدورة الـ12 من الانتخابات الرئاسية، إلى جانب روحاني ورئيسي، الوزير الأسبق مصطفى هاشمي طبا ووزير الثقافة الأسبق مصطفى ميرسليم. وإذا لم يحصل أي من المرشحين على 50 في المئة من أصوات الناخبين، تُجرى جولة إعادة الأسبوع المقبل.
ويواجه روحاني الذي ربح في الانتخابات قبل أربعة أعوام، بعدما وعد بانفتاح إيران على العالم، تحدياً قوياً بشكل غير متوقّع من المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي. فقد ألقى هذا الأخير مسؤولية سوء إدارة الاقتصاد على روحاني، وزار المناطق الفقيرة حيث نظم تجمعات انتخابية ووعد بتوفير المزيد من مزايا الرعاية الاجتماعية والوظائف. ورغم عداء واشنطن المعلن تجاه بلاده، يطمح روحاني إلى مواصلة هذا الانفتاح على العالم بهدف جذب مزيد من الاستثمارات، في حين أصرّ رئيسي خلال حملته على الدفاع عن الطبقات الأكثر حرماناً. ويصبّ الانخفاض الملحوظ في معدل التضخم الذي بلغ 40% عام 2013، وبات نحو 8% حالياً، في مصلحة روحاني، فيما تلعب عوامل كثيرة أخرى دوراً سلبياً في وجه روحاني. وفي هذا السياق، سلّط رئيسي الضوء على نسب البطالة المرتفعة التي تطال 12,5% من السكان و27% من الشباب، متّهماً حكومة روحاني بأنها لم تعمل سوى لمصلحة «الأوليغارشيّة الأكثر ثراءً» في البلاد، التي لا تمثل سوى 4% من السكان، على حدّ قوله. ولا يُشكّك رئيسي في الاتفاق النووي الذي وافق عليه المرشد الأعلى، لكنّه ينتقد نتائج هذه التسوية التي لم يستفد منها الإيرانيون الأكثر فقراً، والتي اجتذبت استثمارات ضئيلة مقارنةً بما كان متوقعاً. وخلال التجمع الأخير الذي نظّمه الأربعاء في مشهد (شرق) قال رئيسي: «بدلاً من استخدام قدرات شبابنا، إنهم (روحاني وحكومته) يضعون اقتصادنا في أيدي الأجانب».
وبعد الحملة الانتخابية الحامية، التي شهدت تبادلاً للاتهامات والانتقادات على شاشات التلفزيون بحدّة لم ترَ الجماهير مثلها منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، دعا كلا المرشحين، أمس، إلى «احترام» خيار الإيرانيين بغض النظر عن النتيجة. ووفقاً لوكالة «فارس» شبه الرسمية، فقد قال رئيسي بعد الإدلاء بصوته: «أحترم نتيجة تصويت الشعب، وستلقى النتيجة احتراماً مني ومن الناس». كذلك، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن روحاني قوله: «أياً كان من سيفوز في الانتخابات، ينبغي أن نساعده على تنفيذ هذا الواجب المهم والجدي». وأضاف أن «المشاركة الحماسية للإيرانيين في الانتخابات تعزّز القوة والأمن الوطني».
بدوره، شدّد رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني على ضرورة قبول جميع مرشحي الرئاسة الإيرانية بنتائج الانتخابات. وقال في تصريح أثناء زيارته لمقر اللجنة المركزية لمراقبة الانتخابات إنه «عندما تقام الانتخابات بهذا الحجم من المراقبة والتنظيم، يجب على الجميع القبول بنتائجها»، مؤكداً أن الانتخابات في إيران «عملية واضحة». وأوضح أن المرشحين يتمتّعون «بفهم سياسي»، مضيفاً أن الشعب الإيراني يتمتّع أيضاً «بيقظة سياسية جيدة».
وقبل إغلاق صناديق الاقتراع، ندّد معسكر رئيسي بـ«مخالفات»، مطالباً باتخاذ إجراءات فورية ضد «الأعمال الدعائية لبعض المسؤولين وأنصار الحكومة» لمصلحة الرئيس الحالي. وفي هذا الإطار، أكد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي وجود تقارير كثيرة تشير إلى حدوث «خروقات قانونية» خلال عملية الاقتراع. وقال إن المجلس يدرس في الوقت الراهن مدى تأثير هذه الخروقات على مسار عملية التصويت. وأوضح المسؤول الإيراني أن مجلس صيانة الدستور سينسّق مع وزارة الداخلية من أجل مناقشة هذه الخروقات والمخالفات التي قد تكون حدثت خلال عملية الاقتراع.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)