لندن | بعد نحو عامين على توليه زعامة «حزب العمال» المعارض، يبدو جيريمي كوربن اليوم أقرب من أي وقت مضى، للوصول إلى رئاسة وزراء المملكة المتحدة. وإذا صدقت استطلاعات الرأي، فإن «المحافظين» سيخسرون أغلبيتهم في البرلمان «لا محالة»، الأمر الذي سيجعل «العمّال» قادرين على تشكيل حكومة تحالف بين المتضررين من تفرّد «المحافظين» بالسلطة، ولا سيما الحزب القومي الإسكتلندي الذي يهيمن على تمثيل اسكتلندا في ويستمنستر (مقر البرلمان البريطاني في لندن)، إضافة إلى الأحزاب الإيرلنديّة المعارضة تقليديّاً للمحافظين، وربما «حزب الليبراليين الأحرار» المعارض بشدة لإدارة المحافظين لملف الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست).
وفي أسوأ السيناريوات بالنسبة إلى «العمال»، من المتوقع أن يحصلوا على ثقل أكبر في البرلمان على نحو سيجعل من «المحافظين» مضطرين إلى تقديم التنازلات إليهم لتمرير التشريعات. وتشير أحدث استطلاعات الرأي التي ظهرت أمس، إلى تقلص تقدّم «المحافظين» على منافسيهم «العمال» إلى أقل من خمس نقاط (بعض الاستطلاعات يقلل الفارق إلى نقطة واحدة)، وذلك مقارنة بتقدمهم بأكثر من عشرين نقطة حين دعت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، إلى انتخابات عامة مبكرة في شهر آذار/مارس الماضي. بدا الأمر في آذار الماضي بمثابة فرصة للمحافظين لا تتكرر للاحتفاظ برئاسة الوزراء حتى عام 2022. لكن كل شيء انهار الآن، وأصبح الحزب الحاكم مرشحاً للتحوّل إلى معارضة معزولة.

أحدث استطلاعات الرأي أظهرت تقلص تقدّم «المحافظين»

ماي رئيسة الوزراء الحاليّة قدّمت للبريطانيين كل الأسباب كي ينفضّوا عنها. فإدارتها لملف «بريكست» اتسمت بالتخبّط والضعف وانعدام الخيال، ولم يمنح تعاملها مع الهجمات الإرهابيّة التي ضربت العاصمة لندن ومدينة مانشستر المواطنين الثقة بقدرة السلطات على منع هجمات مماثلة في ضوء التقليصات الضخمة في أعداد المنتسبين إلى الأجهزة الأمنيّة ووسط انخراط الحكومة في تحالف وثيق مع السعودية ودول الخليج الأخرى التي بات معروفاً لدى شريحة مهمة من الرأي العام تورطها في دعم الإرهاب وتمويله في الشرق الأوسط. ويبدو أنّ الأمر ازداد سوءاً حين ظهر أنّ البرنامج الانتخابي لـ«المحافظين» شديد العموميّة ومنحازاً إلى الأثرياء، وكذلك بهتان صورة ماي في ذهن الناخبين بسبب امتناعها عن مقابلة جمهور الشارع أو حتى مواجهة كوربن في لقاء مباشر.
في المقابل، وبرغم كل جهود الإعلام البريطاني الذي يسيطر عليه اليمين، وأيضاً ما يشبه «الحرب الأهليّة» التي شنها تيار أتباع توني بلير اليميني، وأغلبيّة كتلة نواب «حزب العمال» الحاليين في البرلمان، ضد قيادة الحزب المتمثلة بكوربن، فإن نجم الأخير ازداد سطوعاً يوماً بعد يوم. وحظي كوربن بشعبيّة متزايدة داخل الحزب وخارجه، ولا سيما بين الأجيال الجديدة (التي تنوي غالبية حاسمة منها الآن ــ 66% ــ التصويت للعمال). كذلك أصاب مانيفستو الحزب للانتخابات مواضع ألم أغلبيّة المواطنين البريطانيين في ملفات الصحة والتعليم والخدمات العامة والإسكان وقوانين العمل والضرائب، وأوحى كوربن بالثّقة للمواطنين في مواجهة المصاعب من خلال تعامله مع الأحداث الإرهابيّة الأخيرة على نحو جعل جريدة «ذي غارديان» (التي لا تكنّ كثيراً من الودّ الشخصي لكوربن) تقول إن صوتها في هذه الانتخابات هو لـ«العمال» الذين يمنحوننا الأمل، بينما «حزب المحافظين يحاول كسبنا بسياسات التخويف».
وإلى جانب أنّ لكوربن حضوراً جماهيرياً أخّاذاً، فقد بدا في الأيام الأخيرة شديد الثقة، فشنّ هجوماً حاسماً على ماي بعد الهجوم الإرهابي الأخير على جسر لندن، مشيراً إلى سياساتها التقشفيّة العقيمة على حساب تعداد قوات الشرطة، وتحالفها الآثم مع السعوديّة ودول الخليج الأخرى، ومطالباً اياها بالاستقالة الفوريّة. وهو في آخر مقابلة موسعة له مع الصحافة، تحدث عن تفاصيل برنامج عمله رئيساً للوزراء صبيحة اليوم التالي للانتخابات، الذي يشمل اتصالات هاتفيّة بالمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل، وبالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لضخ «الدفء» في العلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التحادث مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمحاولة إقناعه بالعدول عن قرار الخروج من اتفاقات باريس للمناخ، وربما «تأنيبه قليلاً» بسبب الحرب التويترية الظالمة التي يشنها الأخير على صدّيق خان، عمدة لندن (العمالي). وقد بدأ ناشطون في «حزب العمال» بالفعل بتوزيع بطاقات الدّعوة إلى حفل انتصارهم المرجح.
وعلى غير العادة، ليس الملل سيّد الموقف في السياسة البريطانيّة هذه المرة. فكما صَدَم النّاخبون البريطانيون العالم في حزيران الماضي بتصويتهم للخروج من الاتحاد الأوروبي، هم الآن وبعد عام تماماًَ، على وشك إيصال زعيم يساري (حقيقي) إلى المنصب التنفيذي الأهم في البلاد، وهو أمر ستكون له تبعات كبيرة في السياسة الداخليّة والخارجيّة على حد سواء.