تواجه رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي العوائق من كل حدب وصوب، وهي لا تكاد تندفع باتجاه مخرج لأزمة ما، حتى تصطدم بجدار أزمة أخرى. وبين هذه وتلك، تظهر أمامها مطالبات من حزبها بعدم اعتماد النهج الذي بدأت باتباعه بعد انتخابها، وأيضاً بالسعي إلى خروج سهل من الاتحاد الأوروبي.
أمس، انصبّ أمل ماي على إبرام اتفاق حاسم مع الحزب «الوحدوي الديموقراطي» في إيرلندا الشمالية، بهدف الاستمرار في الحكم، في وقت طالبها فيه الاتحاد الأوروبي بـ«الاستقرار» و«الوضوح» قبل أقل من أسبوع على موعد بدء مفاوضات «بريكست».
ولتستعيد قسماً من هامش المناورة، تجد ماي نفسها مجبرة على التحالف مع الحزب «الديموقراطي الوحدوي» الإيرلندي الشمالي، الذي يتيح لها نوابه العشرة الحصول على الأغلبية وبلوغ عتبة 326 نائباً المطلوبة للسيطرة على البرلمان، حين يُضاف نواب الحزب الإيرلندي إلى نواب حزب «المحافظين» (318).
ومثل هذا الائتلاف سيطرح تساؤلات عن مسألة حياد الحكومة البريطانية في إيرلندا الشمالية، المنطقة التي لا تزال تشهد توترات كبرى بعد 20 عاماً على انتهاء الأزمة.

ألمانيا: لا تزال
أبواب الاتحاد
الأوروبي مفتوحة
أمام بريطانيا
وفيما التقت ماي، أمس، رئيسة الحزب «الديموقراطي الوحدوي» لإجراء اتفاق يسهّل عمل حكومتها، حذّر أعضاء من حزب «المحافظين» من الذهاب باتجاه هذا الخيار. ومن هؤلاء، رئيس الحكومة البريطانية الأسبق جون مايجر الذي دعا ماي إلى أن تنسحب من الاتفاق مع الحزب الإيرلندي الشمالي، منوّهاً إلى أن ذلك سيؤدي إلى عودة العنف إلى تلك المنطقة. وقال مايجر إن عملية السلام «هشّة» ويمكن أن تسقط في حال تخلّي الحكومة البريطانية عن «حياديّتها»، مطالباً ماي بأن تسعى إلى تأليف حكومة أقليّة من دون «ثقل» الاتفاق مع «الديموقراطي الوحدوي».
رئيسة الحكومة البريطانية التي تواجه أزمة كبيرة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت الخميس الماضي، اعتذرت على عدم تحقيقها أغلبية واضحة، بحسب ما أكده نائب بريطاني عن حزب المحافظين، وقال هذا الأخير إن ماي قالت لنواب من الحزب، إنها «ستبقى في الزعامة»، ما أرادوا ذلك.
وذكر النائب الذي كان حاضراً في اجتماع الحزب، أن ماي أكدت أن «الشخص الذي أدخلكم في هذه الفوضى هو أنا، وأنا من سيخرجكم منها».
على الجهة الأوروبية، تواجه ماي ضغوطاً من نوع آخر، فقد أعرب كبير مفاوضي «بريكست» لدى الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، عن قلقه «للوقت الضائع» والهزات في مستوى القيادة البريطانية التي تنذر ببلبلة الجدول الزمني. وقال لصحيفة «لوموند»: «لا أرى جدوى ولا مصلحة في تأجيل المباحثات. وكل تأجيل إضافي سيكون مصدر عدم استقرار الاقتصاد وقطاع العمل في غنى عنه».
وأضاف: «لكن لا يمكنني أن أبدأ المفاوضات مع نفسي»، فهناك حاجة إلى «وفد بريطاني ورئيس وفد مستقر ومسؤول ومفوض».
في غضون ذلك، تستعد المفوضية الأوروبية لوضع قواعد جديدة قد ترغم قسماً كبيراً من الأعمال المالية في لندن على المغادرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، بعد مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد. وكشف نائب رئيس المفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس، عن مشروع قرار يمنح أوروبا القدرة على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يحق لمدينة لندن عقب الـ«بريكست» استضافة «غرف المقاصة» التي تتعامل باليورو في السوق المالي. ودور المقاصة جزء رئيسي من النظام المالي، وتتعامل مع تريليونات اليورو سنوياً، يجري معظمها في لندن.
بالرغم ممّا تقدّم، صرّح وزير المالية الألماني وولفغانغ شويبله، بأن أبواب الاتحاد الأوروبي لا تزال مفتوحة، إذا رغبت بريطانيا في تغيير قرارها بشأن الخروج من الاتحاد. ويأتي موقف شويبله في وقت توجّهت فيه ماي إلى فرنسا للاجتماع مع الرئيس إيمانويل ماكرون.
وفي حديث لتلفزيون «بلومبرغ»، أشار الوزير الألماني إلى زيادة التأييد للاتحاد الأوروبي في فرنسا الذي انعكس في التصويت لماكرون، وتصويت الشباب في بريطانيا الذي رجّح كفة «حزب العمال» اليساري، لمصلحة توثيق العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد الـ«بريكست». وقال إن ذلك دليل على دعم الشباب للاتحاد الأوروبي.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)