قبل يومين من موعد انتهاء المهلة المحددة للمفاوضات النووية بين إيران والسداسية الدولية، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجود تراجع ملموس من جانب الدول الكبرى عن الخطوط الحمراء التي كانت قد وضعتها بنفسها، مشدداً على أن هذه الدول مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لطهران.ورأى نتنياهو، خلال افتتاح جلسة الحكومة يوم أمس، أنه ما من سبب للتوقيع على اتفاق سيّئ مع إيران، وأن الفرصة ما زالت سانحة للعدول عن هذه النية. ولفت إلى أن تصدُّر إيران لقائمة الدول التي وردت في تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول انتهاكات حقوق الإنسان في أنحاء العالم يعني أن ما روَّجته جهات دولية عن أن انتخاب الرئيس حسن روحاني سيغيّر طابع النظام يلقى جواباً حاسماً في هذا التقرير.

ورأى أن هذا التقرير، بمعيّة تقرير آخر نشرته الإدارة الأميركية، يؤكد أن "إيران عززت عدوانها في المنطقة"، وتزوّد الجهات «الإرهابية« بالأسلحة في كافة أنحاء العالم، وتقيم بنية تحتية عسكرية، وكل ذلك والمحادثات تتواصل معها.
وتوقف نتنياهو عند "تجاهل الدول الكبرى مطالبة إيران بتغيير سلوكها، وتجاهلها التام لكل الخروقات التي تقوم بها، ولكل مطالبها المتطرفة، فيما التنازلات أمام إيران آخذة بالازدياد"، مشدّداً على "أننا نرى أمام أعيننا تراجعاً بارزاً عن الخطوط الحمراء التي وضعتها الدول الكبرى لنفسها فقط في الفترة الأخيرة وبشكل علني. ورأى أيضاً أنه لا يوجد أي سبب للتوقيع على هذا الاتفاق السيّئ، وما زال الامر متاحاً للتراجع والإصرار على المطالب التي تمنع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية، ويمنع عنها الحصول على ثروة ضخمة ستموّل من خلالها عدوانها، وتمدّدها، والهجمات الإرهابية التي تنفذها في أنحاء العالم".
في تل أبيب يدركون أن التوصّل إلى اتفاق نهائي أمر يقيني تقريباً

من جهة أخرى، ذكر موقع «واللا» العبري أن جميع الدبلوماسيين الرفيعي المستوى من الدول المشاركة في المفاوضات النووية يعرفون بشكل جيد هامش المناورة المقلص لديهم جميعاً، وأنهم يدركون أنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق هذه المرة، فلن يحصل ذلك أبداً. وأضاف الموقع، استناداً إلى الجهات المتابعة لهذا الأمر في الولايات المتحدة، أن فرص التوصل إلى اتفاق مرتفعة جداً، مضيفاً أن على الأطراف جميعاً التوصل إلى اتفاق حتى التاسع من شهر تموز المقبل، وإلا فإن فترة رقابة الكونغرس على الاتفاق ستتمدد من 30 يوماً إلى 60 يوماً، ونتيجة ذلك، يتوقع حتى ذلك التاريخ إجراء مفاوضات مكثفة.
ولفت الموقع إلى أن التسليم بالتوقيع على الاتفاق لا يدفع نتنياهو إلى التراجع عن مواصلة النضال ضده، بل يستعد اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، «آيباك»، لصراع عام وسياسي ضد الاتفاق. ونقل أيضاً عن رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري، جون باينر، تقديره في محادثات مغلقة قبل حوالى شهرين، أن فرصة إفشال الكونغرس الاتفاق منخفضة جداً. ومع ذلك عازمون في «آيباك» على المحاولة، وتحديداً في الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات إلى منعطف حاسم، بهدف «فحص ما إن كان يوجد بدائل تؤدي إلى اتفاق أكثر راحة بالنسبة إلى إسرائيل».
ويتمحور خط الهجوم الأساسي الذي يتبنّاه نتنياهو و«آيباك»، وشركاؤهما في السياسة الأميركية، على فكرة أن البديل عن الاتفاق مع إيران بكل بساطة هو «اتفاق أفضل». ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ينبغي الإصرار على خمسة مطالب حاسمة تتعلق فقط بالموضوع النووي. ووفقاً لما وزعه «آيباك» في الفترة الأخيرة على الاعلام والمشرعين في الكونغرس، تتمحور هذه المطالب حول الفحص والرقابة، وتقديم إيران تقريراً حول نشاطاتها النووية السابقة التي كانت تحمل طابعاً عسكرياً، إضافة إلى ربط البدء برفع العقوبات بتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ينص على التزام إيران بتعهداتها، فضلاً عن ضرورة أن يكون المدى الزمني للاتفاق يصل إلى 20 سنة على الأقل، والمطالبة أيضاً بتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية.
وفي ما يتعلق بالفحص والرقابة، ترى «آيباك» أن على الدول العظمى الإصرار على حصول مراقبي الوكالة الدولية على حق زيارة ومراقبة المواقع الإيرانية، بما فيها الزيارات المفاجئة، وفق قاعدة «في أي وقت، وفي أي مكان»، بما فيها المواقع العسكرية.
ولجهة التقرير عن تاريخ البرنامج النووي الإيراني، ترى «آيباك» أن على إيران أن تشرح بشكل تام نشاطاتها النووية السابقة التي حملت طابعاً عسكرياً، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، رأى الأسبوع الماضي أن هذا المطلب لا طائل منه، لأن الولايات المتحدة لديها معرفة تامة بالماضي النووي الإيراني عبر استخباراتها.
أما لجهة العقوبات، فينبغي البدء برفع العقوبات فقط بعدما تعلن الوكالة الدولية أن إيران التزمت بتعهداتها. لكن في ما يتعلق بمدة الاتفاق، يطالب اللوبي الإسرائيلي بأن تكون مدة الاتفاق عقدين على الأقل. ويطالب هؤلاء بتفكيك البنية التحتية النووية، حتى لا يكون لإيران طريق للوصول الى القنبلة النووية. لكن هذا المطلب تم تجاوزه بعدما وافقت الدول الكبرى على إبقاء بنية تحتية نووية مدنية، في ظل رقابة دولية معززة.
أما كيف سيبدو المشهد في الساحة الإسرائيلية، فقد نقل موقع «واللا» عن مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، مشارك في المحادثات مع الدول العظمى حول القضية النووية، قوله إنهم "في تل أبيب يدركون أن التوصل إلى اتفاق نهائي أمر يقيني تقريباً، ومع ذلك فإننا عازمون على مواصلة الضغط حتى اللحظة الأخيرة، ولو أن فرصة تحسينه ضئيلة". وأضاف المصدر أنهم «لا يستطيعون تحويل الاتفاق إلى اتفاق أفضل. والسبب في الواقع يعود إلى عدم وجود شركاء لنا حالياً في الغرب». وتابع «لكن نحن بالتأكيد قادرون على تحويله إلى اتفاق أقل سوءاً. وأي إنجاز، ولو كان صغيراً، سيكون حاسماً في هذا الموضوع. ولنا شركاء بالتأكيد في محاولة تحسين الصيغة الحالية للاتفاق». وعدَّ من بين هؤلاء الشركاء فرنسا التي تتبنّى خطاً متصلّباً في المفاوضات مع إيران. لكنه أضاف أن المشكلة مع باريس تكمن في الموقف الفرنسي المتصلّب من المستوطنات، الأمر الذي أدى إلى نشوء حالة توتر في العلاقات مع إسرائيل.
وختم موقع «واللا» بالقول إنه في كل الأحوال، فإن النقاش في شأن إمكانية التوصل إلى اتفاق أفضل، من المتوقع أن يتحول بعد عدة أيام إلى نقاش تاريخي، على قاعدة «ماذا لو»، وإن الصراع سينتقل في النهاية إلى الكونغرس الأميركي، حيث سيجرّب اللوبي الإسرائيلي هناك محاولته الأخيرة لإفشال الاتفاق، مؤكداً أن نجاح الإدارة الأميركية مرتبط بإقناع المشرّعين بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه هو اتفاق جيد.