لقي وزير المال اليوناني، يانيس فاروفاكيس، استقبالاً سلبياً للغاية منذ وصوله إلى اجتماع وزراء مال منطقة اليورو مساء السبت الماضي، حيث تجنب نظراؤه مخاطبته حتى. وعند بدء المفاوضات، رفض الوزراء سريعاً طلب أثينا تمديد برنامج القروض المالية لمدة شهر، معتبرين الطلب «طريقة جديدة لكسب الوقت». خرج بعدها رئيس منطقة اليورو، يروين ديسلبلوم، إلى الصحافيين ليقول بلهجة حازمة إن برنامج القروض «سينتهي في 30 حزيران» الجاري.
على أثر ذلك، غادر فاروفاكيس بروكسل، ليكمل نظراؤه الاجتماع لمناقشة تداعيات عجز اليونان عن سداد 1.5 مليار يورو تستحق لصندوق النقد الدولي نهاية الشهر الجاري، وذلك جراء رفض الوزراء تمديد برنامج القروض، ومحاولتهم بدلاً من ذلك فرض رزمة من السياسات على أثينا، تتضمن شروطاً وإجراءات «تقشف» اعتبرتها الأخيرة قاسية جداً ولا تؤمن الحد الأدنى من التمويل المطلوب.

لم يتأخر الرد اليوناني على الضغوط الأوروبية. صادق البرلمان اليوناني ليل السبت ــ الاحد على مقترح استفتاء تقدمت به الحكومة، حيث سيكون على الناخبين اليونانيين التصويت بـ«نعم» أو «لا» على حزمة الإجراءات التي قدمها الدائنون، أي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، يوم الجمعة الماضي. وأيد الاستفتاء المقرر تنظيمه يوم الأحد المقبل، في 5 تموز، 178 نائباً من نواب البرلمان الـ300، هم نواب الائتلاف الحكومي، أي كتلة «سيريزا» اليسارية، إلى جانب نواب حزب اليونانيين المستقلين وحزب الفجر الذهبي، فيما صوت ضد تنظيم الاستفتاء نواب حزب الديموقراطية الجديدة وحزب «باسوط» وحزب «بوتامي» والحزب الشيوعي اليوناني.

ودعا رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، مواطنيه إلى التصويت بكثافة ضد «إنذار» الدائنين، قائلاً إنه واثق من أن «الشعب اليوناني سيقول لا كبيرة ضد إنذار (الدائنين)، لكن في الآن نفسه سيقول نعم كبيرة لأوروبا التضامن»، موضحاً أن «الدائنين لم يسعوا للحصول على موافقتنا، بل للتخلي عن كرامتنا، ويجب ان نرفض ذلك». وتابع تسيبراس قائلاً، «في البلد الذي ولدت فيه الديموقراطية لا نطلب ترخيصاً من السيد ديسلبلوم والسيد شويبله (وزير المال الألماني) لتنظيم استفتاء»، معتبراً أنه «غداة لا الفخار، ستتعزز القوة التفاوضية للبلاد».

وأفاد مصدر حكومي يوناني بأن تسيبراس أبلغ المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، في اتصال هاتفي أنه «مهما كان القرار الذي ستتخذه مجموعة اليورو، فإن الشعب اليوناني سيكون لديه أوكسيجين الأسبوع المقبل، وسيبقى على قيد الحياة»، وذلك في إشارة إلى رفض أثينا لحملة التهويل التي يقوم بها الأوروبيون منذ مدة غير قصيرة، والتي تتهدد اليونان بـ«الكارثة» إن هي رفضت شروط الدائنين. وكان استخدام تسيبراس لشعار «لا كبيرة» ذا دلالة بالغة، فهو مستوحى من الـ«لا» التي رفعتها السلطات اليونانية في وجه الجيش الإيطالي الذي حاول دخول الأراضي اليونانية عام 1940؛ ويُعرف أحد العيدين الوطنيين في اليونان، والذي يُحتفل به في 28 تشرين الأول، بـ«يوم لا».

العرض الأوروبي «الأخير»

وكان وزراء مال منطقة اليورو، ممثلو دائني اليونان، قد عرضوا على أثينا الأسبوع الماضي مقترحاً «أخيراً» ينص على تمديد برنامج القروض لخمسة أشهر، وتقديم قرض فوري بقيمة 1.8 مليار يورو، تضاف إليه قروض أخرى خلال الصيف، لتصل قيمة الرزمة الجديدة من القروض إلى 15.5 مليار يورو (12 ملياراً من الأوروبيين و3.5 مليارات من صندوق النقد الدولي)، لكن مع اشتراط تطبيق أثينا المزيد من «الإصلاحات» وإجراءات «التقشف» المالية المرفوضة حكومياً وشعبياً، وهي تتلخص بالمزيد من خفض الإنفاق الاجتماعي، ورفع الضريبة على القيمة المضافة، وتسهيل تسريح العمال من وظائفهم، وتقليص هامش الإنفاق العام لحساب زيادة خدمة الدين.

لكن الحكومة اليونانية رأت أن شروط الدائنين قاسية جداً، وأن مدة تمديد برنامج القروض قصيرة، وأن قيمة القروض المذكورة غير كافية. وفي عملية ابتزاز موصوفة، كان وزراء المال الأوروبيون يعوّلون على أن يدفع الوضع الحرج للمالية العامة لأثينا للقبول بشروطهم مرغمة، فعلى الأخيرة أن تسدد 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي نهاية الشهر الجاري، ما لا يمكنها القيام به دون قروض جديدة (مشروطة) من دائنيها الذين يهولون بأن عجز اليونان عن السداد قد يؤدي إلى خروجها من منطقة اليورو. ومع ذلك، لم يفقد فاروفاكيس أمله بالتوصل إلى تفاهم مع نظرائه الأوروبيين، واعداً «بمواصلة النضال» من أجل انتزاع اتفاق مع الأخيرين قبل مساء الثلاثاء المقبل، موعد انتهاء مفاعيل برنامج القروض لليونان. وقال فاروفاكيس إنه في حال التوصل إلى اتفاق، «فسنقول للشعب اليوناني أن يصوّت بنعم» في الاستفتاء. ودعا فاروفاكيس البنك المركزي الأوروبي إلى تسديد المال مباشرة لصندوق النقد الدولي، قائلاً إن "البنك المركزي الأوروبي يدين لنا بـ1.9 مليار يورو، فليعطها لصندوق النقد الدولي».

ردود الفعل الأوروبية

وأمام حشد مؤيد لليونان في العاصمة الإسبانية، مدريد، قال رئيس حزب «بوديموس» الإسباني، بابلو إيغليساس، يوم السبت الماضي إن «المشكلة ليست اليونان، وإنما المشكلة هي أوروبا. ألمانيا وصندوق النقد الدولي يدمران المشروع السياسي لأوروبا... ويهاجمان الديموقراطية». ورأى إيغليساس أن بعض الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي «يريدون خنق اليونان وتلقين درس» لليسار الإسباني، وذلك لمنع قيام سياسة اقتصادية بديلة من تلك المتبعة حالياً في أوروبا. من جهته، رأى وزير المال النمسوي، هانز يورج شيلينج، أن خروج اليونان من منطقة اليورو «يبدو أمراً شبه حتمي الآن»؛ لكنه قال في الوقت نفسه إن ذلك سيحدث فقط إذا طلبت أثينا أولاً الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووافقت الدول الأخرى على طلبها. وقال وزير المال الألماني، ولفغانغ شويبله، إن منطقة اليورو «ستفعل كل ما يلزم لمنع أي خطر محتمل بانتشار عدوى» الأزمة اليونانية، مؤكداً ان اليونان لا تزال «عضواً في منطقة اليورو». وفي مواقف مشابهة، قال وزراء مال منطقة اليورو ليل السبت إنهم سيستخدمون كل الوسائل المتاحة لضمان «استقرار» منطقة اليورو. وحذر رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، يوم أمس من «مخاطر حقيقية بخروج» اليونان من منطقة اليورو في حال أسفر الاستفتاء الذي تعتزم أثينا تنظيمه عن رفض عرض الاتفاق الذي قدمته الجهات الدائنة، داعياً الحكومة اليونانية الى «العودة الى طاولة المفاوضات». وقال فالس، «لا أحد منا يدري ما ستكون عليه عواقب خروج (اليونان) من منطقة اليورو، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي... وبالتالي علينا أن نبذل كل الجهود حتى تبقى اليونان في منطقة اليورو». ورأى فالس أنه «لا يزال ممكناً التوصل الى اتفاق»، وأن «المفاوضات لم تنته» بعد.

أثينا تتخذ إجراءات احترازية

وفي مواجهة التهديدات بانهيار النظام المصرفي، أعلنت أثينا أمس أنها ستفرض قيوداً على خروج الرساميل، وأنها قد تبقي بنوكها مغلقة اليوم إذا رفض دائنوها تمديد برنامج القروض، وذلك في ظل قول البنك المركزي الأوروبي إنه سيُبقي التمويل الطارئ (للمصارف اليونانية) عند المستويات الحالية، وإنه راقب الوضع وعلى استعداد «لإعادة النظر» في قراره. ووقف الناس يوم أمس في صفوف طويلة أمام العديد من أجهزة الصرف الآلي، بينما قال بنك اليونان المركزي إنه يبذل «جهوداً ضخمة» للتأكد من توافر السيولة في أجهزة الصرف الآلي.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)