انطلقت في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، أمس، أعمال القمة الـ 29 للاتحاد الأفريقي، بحضور رفيع من معظم الدول الـ 54، غاب عنها الزعماء العرب لدول شمال أفريقيا، فيما شارك بصفة مراقب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يعكس حضوره دبلوماسية فلسطينية ــ عربية تقليدية، ترى في القارة مسانداً في القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي.
وبرغم أنّ تلك الدبلوماسية لم تعد كافية في الوقت الراهن، إذ إنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي تثبّت حضورها في القارة الأفريقية بصورة لافتة وسريعة، فإنّ الرئيس الفلسطيني دعا في كلمته، القادة الحاضرين إلى «ربط أي تقدم في علاقة القارة بإسرائيل بمدى التزامها بإنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين المحتلة منذ عام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية»، مشيراً إلى أنّ «مواصلة تصويت الدول الأفريقية لمصلحة قرارات فلسطين في المحافل الدولية، ستحمي حل الدولتين وتساهم في الحفاظ على حقوق (الفلسطينيين)، إلى أن يتم تحقيق السلام».

يتزامن انعقاد
القمة مع ازدياد التوترات في القرن الأفريقي

ويتزامن انعقاد القمة الأفريقية الحالية (وهي الثانية لهذا العام)، مع ازدياد التوترات في شرق القارة بصورة خاصة، حيث بات القرن الأفريقي ساحة تصارع إقليمي ــ دولي بين القوى الحاضرة من خلال استثماراتها (مثل دول الخليج وتركيا)، أو من خلال قواعدها العسكرية (مثل الصين والولايات المتحدة وفرنسا). وتتعزز أسباب ذلك التوتر ربطاً بإخفاق دول حوض النيل قبل أيام، في حلّ أزمات توزيع الثروة المائية للنيل، وخاصة في ظل اقتراب انتهاء أعمال «سد النهضة» في إثيوبيا.
وربطاً بتلك التوترات، فقبل أيام من القمة، تجدد الصراع الحدودي بين أريتريا وجيبوتي (التي من المتوقع أن يزورها وزير الخارجية السعودي خالد الجبير، اليوم)، وذلك إثر سحب قطر في منتصف الشهر الماضي، قواتها المتمركزة بين الدولتين منذ عام 2008. وجرى سحب القوات القطرية بعدما خفضت جيبوتي مستوى التمثيل الدبلوماسي لدى الدوحة، عقب قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، علاقاتها مع الإمارة الخليجية.
وأثناء أعمال القمة، أمس، أعلن وزير خارجية جيبوتي محمد علي يوسف، أنّ بلاده طلبت من الاتحاد الأفريقي نشر مراقبين على طول حدودها المتنازع عليها مع أريتريا. وقال لوكالة «رويترز»: «انسحبت القوات القطرية دون سابق إنذار، ودون أن تمهد الأرض، تاركة وضعاً راهناً ليس في مصلحة البلدين»، مضيفاً «اقترحنا على الاتحاد الأفريقي سدّ الفجوة في الجانب المتنازع عليه، ونحتاج إلى أن يتصرف الاتحاد الأفريقي بسرعة».
والاتحاد الأفريقي هو مؤسسة حلّت عام 2002 مكان منظمة الوحدة الأفريقية بعد 39 عاماً على تأسيس الأخيرة. ومن أبرز أهداف الاتحاد، تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، بغية تعزيز مواقفها المشتركة بشأن القضايا التي تهم شعوبها، وتحقيق السلام والأمن. إلا أنّ هذه الأهداف الكبيرة تبقى دون نتائج عملية، وخاصة في ظل غياب قوى اقتصادية وسياسية مهيمنة يمكنها أن تشكّل محرّكاً للمنظومة الأفريقية.
وتمثل القمة الحالية التي تنعقد تحت شعار «تسخير العائد الديموغرافي من خلال الاستثمار في الشباب» (باعتباره شعار الاتحاد الأفريقي لعام 2017)، اختباراً لمفوضية الاتحاد (الجهاز التنفيذي للمنظمة)، برئاسة موسى فقي، الذي تسلم مهمات منصبه، في كانون الثاني الماضي، رافعاً شعار «إسكات السلاح في أفريقيا» بحلول عام 2020. وانتقد فقي، أمس، الدول الأعضاء لافتقادها التضامن مع البلدان الأفريقية التي تواجه مخاطر المجاعة والجفاف. وقال: «لا يمكنني إخفاء إحباطي العميق أمام صمت الأفارقة في مواجهة المأساة الرهيبة للمجاعة»، متسائلاً: «ما الذي حدث للقيم الأفريقية للتضامن والإخاء؟ ما الذي حدث لمجتمعنا المدني؟». وللإشارة، فإنّ الأمم المتحدة سبق أن أعلنت خلال العام الجاري أنّ العالم يواجه «أسوأ أزمة إنسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية» مع مواجهة 20 مليون شخص لسوء التغذية والمجاعة في اليمن والصومال وجنوب السودان ونيجيريا.
في المقابل، يبقى ملف الصراعات المسلحة ومكافحة الإرهاب الأكثر أولوية بين الملفات الشائكة على منصة القمة، إذ لا تزال دول جنوب السودان، والكونغو، والصومال، وليبيا، ومحيط البحيرات، ودول منطقة الساحل، تشكل بؤر صراعات دموية تهدد أمن القارة بأكملها، فيما تتهدد أمن بعضها مجموعات إرهابية نمت، بالأخص، بالتزامن مع تصاعد الفوضى في ليبيا، التي أصبح جنوبها على مرّ الأعوام الماضية بمثابة نقطة ارتكاز لأعمال التهريب غير الشرعي، والهجرة عبر المتوسط، ونقطة ربط بين الجماعات المتطرفة التي تنتشر بصورة خاصة في منطقة الساحل الأفريقي.
ويناقش المجتمعون في أديس أبابا خطط الاتحاد لتوسيع برامج التنمية والتجارة والتكامل الاقتصادي والاندماج بين دول القارة. ومن أبرز المساعي ضمن هذا الملف تأسيس منطقة أفريقية للتجارة الحرة، لتشجيع التبادل التجاري والاقتصادي بين أعضاء الاتحاد الأفريقي. وعلى مستوى المنظمة، يبحث القادة الأفارقة ملفات عدة، منها إصلاح مؤسسات الاتحاد، والمساهمة في تمويل هذه المؤسسات عبر تخصيص نسبة 0.02 في المئة من ضريبة واردات كل دولة عضو.
جدير بالذكر أنّ رئيس زيمبابوي روبرت موغابي، أعلن أمس أنه «قدّم مبلغ مليون دولار للاتحاد الأفريقي»، كاشفاً أنّ المبلغ حصل عليه بعدما باع «300 رأس ماشية»، وذلك ليفي بوعد كان قد قطعه قبل عامين. وقال موغابي إنّ ما قام به «عمل متواضع ورمزي»، يهدف إلى تأمين استقلالية لعملية التمويل الذاتي للاتحاد الأفريقي، والذي يعتمد بصورة كبيرة على منح دولية.
(الأخبار، الأناضول)