تجاوزت شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال» الضغوط الأميركية، ووقّعت أمس عقداً لتطوير حقل غاز مع إيران بقيمة مليارات عدّة من الدولارات، وهو الاتفاق الأول لشركة أوروبية مع الجمهورية الإسلامية، منذ أكثر من عقد. وستستثمر «توتال»، بشكل أوّلي، مليار دولار (880 مليون يورو) في حقل بارس الجنوبي للغاز، ضمن تحالف مع شركتين صينية وإيرانية، ومدّة المشروع عشرون عاماً، ستضخ خلالها الشركات مبلغ 4,9 مليارات دولار.
وبذلك، تصبح الشركة الفرنسية المجموعة النفطية الغربية الأولى التي تعود إلى إيران منذ توقيع الاتفاق النووي في تموز 2015، بين طهران والقوى العظمى (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا).
ورأى رئيس مجلس إدارة «توتال» باتريك بويانيه، خلال حفل التوقيع في طهران، أن هذا «اليوم بالنسبة إلى توتال تاريخي، إنه يوم عودتنا إلى إيران». وقال: «نحن لسنا منظمة سياسية، لكني آمل أن يشجع هذا الاتفاق شركات أخرى على المجيء إلى إيران، لأن التنمية الاقتصادية هي أيضاً طريق لبناء السلام». وأضاف: «نحن هنا لبناء الجسور وليس الجدران». ولفت بويانيه إلى أن «لدى توتال تاريخاً طويلاً في إيران»، مشيراً إلى تطويرها المرحلتين الثانية والثالثة من حقل بارس الجنوبي إبان التسعينيات.

زنغنه: صناعة إيران النفطية تحتاج إلى 200 مليار دولار من الاستثمارات


والمشروع في حقل بارس الجنوبي المشترك بين إيران وقطر، هو الأول بموجب «عقد نفطي إيراني جديد» يمنح شروطاً أفضل للاستثمارات الأجنبية. وينص الاتفاق مع «توتال» على تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، على أن تملك المجموعة الفرنسية 50,1% من حصص التحالف المكلّف باستثمار الحقل، تليها المؤسسة الوطنية الصينية للنفط (30%) والإيرانية بتروبارس (19,9%).
وقال وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنغنه إن «الاتفاق كان نتيجة مباشرة لإعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني في أيار الماضي، والدعم الشعبي لإعادة بناء الروابط مع الغرب». وأضاف أن «الشعب قال بثبات إن سياساتنا النفطية يجب أن تستمر»، متابعاً أنه «يجب أن لا ننسى أبداً أن توتال كانت من أوائل المبادرين». وأوضح زنغنه أن صناعة إيران النفطية تحتاج إلى حوالى 200 مليار دولار من الاستثمارات في السنوات الخمس المقبلة، والشركات الأوروبية كانت تترقب الفرص بتوق كبير في بلد يحوي ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم ورابع احتياطي نفطي. لكن الشركات كانت حذرة من الاستثمار بسبب العقوبات الأميركية المستمرة.
من جهته، أكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي أن العقد الموقّع يحظى بدور مهم جداً على صعيد العلاقات بين طهران وباريس، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد زيادة بنسبة أربعة أضعاف. وفي تصريح إلى الصحافيين، عقب لقائه الأمين العام لوزارة الخارجية الفرنسية كريستيان ماسيه، قال ولايتي إن الجانب الذي توافق عليه إيران هو تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والدولية مع فرنسا.
وأكد ولايتي أنه «في ظل القواسم المشتركة بين إيران وفرنسا، إذا رفضت الأخيرة اتباع سياسات ترامب التعسفية، فإن ذلك سيخدم قطعاً مستقبل فرنسا وشعبها».
في غضون ذلك، عيّنت «توتال» مسؤولاً خاصاً للامتثال، مهمّته الوحيدة هي ضمان عدم وقوع الشركة في مطبّ الإجراءات الأميركية المتخذة ضد إيران.
وكان الجانبان قد وقّعا الاتفاق التمهيدي في تشرين الثاني 2016، وكان بويانيه قد أعلن في شباط الماضي أنه ينتظر «القرار النهائي» للإدارة الأميركية قبل المضيّ قدماً. واتخذت «توتال» قرارها رغم تصعيد الموقف المعادي لواشنطن التي تؤيد تشديد العقوبات على طهران.
وزاد الموقف العدائي لواشنطن من صعوبة تطبيع العلاقات الاقتصادية بين إيران وسائر دول العالم، خصوصاً لجهة تردّد المصارف الدولية الكبرى في العمل مع طهران، إذ تخشى إجراءات عقابية أميركية. وقد أدى الغموض المحيط بالسياسة الأميركية واحتمال تشديد العقوبات إلى تراجع في حماسة بعض الشركات الدولية، مثل «بريتش بتروليوم» البريطانية، بينما اكتفت شركات مثل «شل» و«غازبروم» (روسيا) بتوقيع اتفاقات أوّلية.
(الأخبار، أ ف ب)