باريس | لا شك أنّ آلان جوبيه يعضّ أصابع الندم بعدما أسفرت الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين والوسط في فرنسا عن تزكية منافسه فرنسوا فيون مرشحاً للرئاسة، بغالبية 76 في المئة، وخاصة أنّ «صانع المعجزة فيون»، مدير حملته الانتخابية، باتريك ستيفانيني، كان الذراع اليمنى لجوبيه على مدى ثلاثين سنة.
عمل ستيفانيني إلى جانب جوبيه في بلدية باريس وفي حزب «التجمع من أجل الجمهورية» الديغولي، وأدين برفقته أيضاً في فضيحة الوظائف الوهمية ببلدية باريس. وفي خريف 2012، حين طلب فيون من ستيفانيني أن يتولى إدارة حملته الانتخابية لعام 2017، لم يعط موافقته إلا بعد استشارة جوبيه والحصول على موافقته. آنذاك، لم يكن عمدة بوردو السبعيني يفكر في المنافسة على الرئاسة. وحين قرّر جوبيه دخول المعترك، قبل عامين، مدفوعاً باستطلاعات الرأي التي أجمعت آنذاك على أنه سيكون «منقذ اليمين» في مواجهة هولاند، كانت الفرصة قد ضاعت للاستفادة من خدمات صديقه ستيفانيني.

عام 1995، استطاع ستيفانيني أن يضع شيراك في سدة الحكم

بخلاف ساركوزي الذي سعى إلى استقطاب ستيفانيني، وإغرائه بالتخلي عن فيون، لم يسع جوبيه إلى استمالة صديقه، بالرغم من أنّ الجميع في فرنسا يدرك مدى قدرة «الماكينة ستيفانيني» على قراءة توجهات الرأي العام واستشراف التيمات الكفيلة بقلب موازين القوى السياسية. كان الرجل قد اكتسب سمعة «صانع المعجزات الانتخابية»، عام 1995، حين تمكن من قلب موازين القوى، قبل خمسة أشهر فقط من موعد الاستحقاق الرئاسي لمصلحة جاك شيراك، بعدما كان متأخراً بأكثر من 30 في المئة عن منافسه اليساري ليونيل جوسبان، وغريمه اليميني إدوار بلادور. وقبل عامين، حقق ستيفانيني معجزة انتخابية أخرى خولت الشيراكية فاليري بيكراس، الفوز بمقاطعة «إيل دو فرانس» التي تضم العاصمة باريس، في الانتخابات الجهوية لعام 2014، بعدما كانت هذه المقاطعة معقلاً لليسار على مدى عقود.
عام 1995، استطاع ستيفانيني أن يضع شيراك في سدة الحكم، من خلال سحب البساط من تحت أرجل اليسار، عبر إحياء المنحى الاجتماعي للديغولية، رافعاً شعاراً استهوى معظم الفئات الشعبية والوسطى، ووحد قوى اليمين والوسط تحت راية مكافحة «الصدع الاجتماعي»، الذي قال إنه يهدد بزج أعداد متزايدة من الفرنسيين تحت عتبة الفقر.
أما هذه السنة، فلم يسع ستيفانيني الى توحيد قوى اليمين والوسط، بل راهن على اليمين الكاثوليكي المحافظ، الذي عانى كثيراً من الشطط الساركوزي، ثم تعرض منذ وصول هولاند الى الحكم لهجمات متتالية ضاعفت من مخاوفها، كقانون زواج المثليين، والهجمات الإرهابية التي غذت لدى هذه الفئات مشاعر الإسلاموفوبيا، فضلاً عن تدفق أعداد متزايدة من اللاجئين الذين يخشى اليمين الكاثوليكي أنّ تشكّل تهديداً لـ«الهوية الفرنسية»، ما دفع البعض إلى القول بأن باتريك ستيفانيني استطاع أن يصنع «المعجزة فيون» لأنه «جعل منه رديفاً لـ«ساركوزية جديدة» خالية من الشطط اللفظي ومن التقلبات التكتيكية المسايرة لمزاج الرأي العام وتوجهات استطلاعات الرأي».
توحيد صفوف اليمين، بعد تزكية فيون، ترافق مع سلسلة من الأخبار غير السارة بالنسبة إلى الرئيس هولاند والحزب الاشتراكي الموالي له. فالدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية اليمينية سبقها بـ 24 ساعة استفتاء داخلي في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي أسفر عن تزكية ترشيح جان لوك ميلانشون مرشحاً وحيداً لليسار الراديكالي، ما سيقوي حظوظ ميلانشون في منافسة الحزب الاشتراكي على يساره، بعدما شكل ترشيح وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون تهديداً بمنافسه المرشح الاشتراكي على يمينه، أي لجهة يسار الوسط.
الرئيس هولاند، الذي تابع كل هذه التطورات على متن الطائرة الرئاسية عائداً من زيارة لمدغشقر، فوجئ بخبر غير سار آخر تمثل في تصريح لرئيس حكومته مانويل فالس، صباح أمس، لوّح فيه بترشيح نفسه، حتى لو قرر الرئيس هولاند الترشح، ما أثار حفيظة هولاند، الذي قالت مصادر مقربة من الإليزيه، إنه سيستدعي فالس الى الإليزيه، ظهر اليوم، لاجتماع طارئ قالت المصادر إنه قد يسفر عن إقالة رئيس الحكومة إن لم يتراجع عن تحدي الرئيس، لأن تعايش مؤسسات الحكومة والرئاسة وعملها سيصبحان مستحيلين، خلال الأشهر المقبلة، في حال ترشحهما معاً.