يدرك رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كان بإمكانها أن تدفع نحو استصدار قرار دولي مشابه للقرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن، الذي يدين بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967، طوال السنوات الثمانية الماضية، لكنها لم تفعل ذلك إلا على مسافة أربعة أسابيع من خروجها من البيت الأبيض.
ويدرك نتنياهو أيضاً أن الموقف الأميركي المعارض للنظرة الإسرائيلية، في هذه القضية، ينطلق من رؤية مفادها أن على أصدقاء إسرائيل إنقاذها من نفسها، ومن تداعيات الخطوات الاستيطانية التي ستؤدي إلى قيام دولة ثنائية القومية تهدّد الهوية اليهودية لإسرائيل، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية جون كيري.
دافع كيري، خلال خطاب أمس، عن سماح واشنطن بصدور قرار مجلس الأمن الدولي، قائلاً إن «الهدف كان الحفاظ على حل الدولتين الذي بات في خطر». وهاجم إسرائيل قائلاً: «الحكومة الحالية هي من أكثر الحكومات اليمنية تطرفاً... ويبدو أنها لا تؤمن سوى بإسرائيل العظمى، وترفض حل الدولتين»، مضيفاً: «غالبية الأراضي التي يجب أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين وفق اتفاقية أوسلو صارت تحت السيطرة الإسرائيلية».

طلب ترامب من إسرائيل
أن «تكون قوية» حتى
20 كانون الثاني

كذلك رأى الوزير الأميركي أن «الدول العربية لن تطبع العلاقات مع إسرائيل إن لم تحل مشكلتها مع الفلسطينيين»، كما انتقد الحواجز الإسرائيلية المنتشرة في الضفة المحتلة.
وقبل أسابيع من رحيل إدارة أوباما، دعا كيري الإسرائيليين والفلسطينيين إلى قبول حل الدولتين وفقا لحدود 67 مع تبادل الأراضي وتعويض «الفلسطينيين المتضررين» (اللاجئين)، فيما رأى أن «القدس يجب أن تكون عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية»، مكرراً دعوته الفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية».
بعد دقائق معدودة من خطاب كيري، انطلقت مروحة ردود فعل إسرائيلية متفاوتة في الرؤية والموقف من مضمونه، بين منتقد بشدة، وبين مرحب، وذلك وفق اختلاف الانتماءات الحزبية والسياسية. وانتقد نتنياهو الخطاب واصفاً اياه بأنه «متحيز ضد إسرائيل»، وتابع في بيان صادر عن مكتبه، أنه «خلال أكثر من ساعة تناول كيري بشكل مهووس قضية المستوطنات ولم يتطرق إلى جذور الصراع: الرفض الفلسطيني لوجود دولة يهودية بأي حدود»، مضيفاً: «إسرائيل تتطلع إلى العمل مع الرئيس (دونالد) ترامب لصد قرار مجلس الأمن».
في المقابل، رأى رئيس المعارضة إسحاق هرتسوغ أن خطاب كيري «يعبر عن قلق حقيقي اتجاه أمن ومستقبل دولة إسرائيل»، وأنه كان ولا يزال صديقا لإسرائيل.
بعد ذلك، كتب الرئيس الأميركي المنتخب ترامب على «تويتر»، أنه «لا يمكننا تحمل أكثر كيف يجري التعامل مع إسرائيل بعدم احترام وتجاهل كامل... في السابق، كانت إسرائيل من الأصدقاء المقربين للولايات المتحدة ولكن الآن، بداية النهاية كانت الصفقة مع إيران ثم صدور قرار مجلس الأمن الدولي... كوني أقوى يا إسرائيل فلقد اقترب 20 كانون الثاني (موعد تسلمه منصبه)».
وتأتي صفعة أوباما المتأخرة كرد فعل على المناكفات التي مارسها نتنياهو طوال السنوات الماضية في مواجهة إدارته في أكثر من قضية وملف. مع ذلك، لا تزال المخاوف الاسرائيلية من ألا تكتفي إدارة اوباما بالخطوات التي أقدمت عليها حتى الآن قائمة.
وإدراكاً منه للظلال الثقيلة التي ستتركها هذه الخطوات بعد خروجه من البيت الأبيض، حرص نتنياهو على تحذير وزرائه حول ضرورة «التصرف برشد ومسؤولية وبرباطة جأش، على مستوى الأفعال والأقوال على حد سواء، وأن يتصرفوا بكل مسؤولية». ومن هنا يمكن فهم خطوة تأجيل «لجنة التخطيط والبناء» المصادقة على خطة لبناء أربعة آلاف وحدة سكنية في مستوطنتي «رمات شلومو» و«راموت» في القدس، أمس، التي طرحت رداً على قرار مجلس الأمن.
وقرار تأجيل هذه الخطوة أتى ترجمة لطلب نتنياهو، من أجل تجنب استفزاز إدارة أوباما في الأيام المتبقية لها، تسليماً بقيود القوة والنفوذ لكيان بحجم إسرائيل في مقابل دولة بحجم الولايات المتحدة، حتى في ظل إدارة لم يبق لها سوى أيام معدودة.
مع ذلك، يبقى خطوة التأجيل تعبير إسرائيلي عن الإصرار على مواصلة سياسة الاستيطان خاصة في القدس المحتلة، وتأكيدا لهذا المفهوم، أوضحت بلدية الاحتلال في المدينة، أن «اللجنة المحلية للتخطيط والبناء لن يكون فيها تجميد للبناء». وتفادياً من أن يبدو نتنياهو، كأنه خضع، لو بصورة جزئية، أمام أوباما في قضية الاستيطان بالذات، أضافت البلدية: «يحصل تأخير في بعض الأحيان لعدة أسابيع في المصادقة على خطط بناء لأسباب تقنية».
وفي ما يتعلق بالأيام الفاصلة عن موعد خروج أوباما من البيت الأبيض، يسود نوع من الخشية في تل أبيب من أن يمهد خطاب كيري الطريق إلى مشروع قرار آخر في مجلس الأمن، وكذلك «مؤتمر السلام» في باريس، بما يمنح السلطة الفلسطينية نقاطا أخرى في الخط الدبلوماسي قبل دخول الإدارة الأميركية الجديدة.