برازيليا | منذ اللحظات الأولى لانعقاد البرلمان، كان الرئيس البرازيلي ميشال تامر مطمئناً إلى نتيجة التصويت التي صبّت في مصلحته، بعد إخفاق المعارضة في تأمين غالبية الثلثين للبدء بمشروع عزله من الرئاسة.
وجاء فوز تامر حصيلة أيام من الجهود المضنية التي أمّنت له حصانة ثمينة أنقذته من الدعاوى القضائية التي ساقتها النيابة العامة، بعد كشف تسجيلات صوتية مرفقة باعترافات تثبت تورط الرئيس اليميني في كبريات عمليات الفساد.
في تفاصيل «خطة الإنقاذ الرئاسي»، يشير مصدر قضائي رفيع، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن التدخلات السياسية لحماية تامر فاقت المتوقع، وأن المال الذي أغدق على النواب لم يكن إلا فصلاً من فصول تطويق أيّ احتمال لفتح الطريق أمام الزعيم العمالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي سيكون المستفيد الأول من إقالة تامر، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تعطيه الصدارة الحاسمة في حال تنظيم انتخابات مبكرة.

تواطؤ البرلمان
لم يتخطّ القضاء فحسب بل تجاوز استطلاعات الرأي



المصدر القضائي أكد أن الجهات الراعية لبقاء تامر في السلطة «وضعت خطة محكمة بدأت بالضغط السياسي، ولم تنته باستخدام مؤشرات الاقتصاد البرازيلي كرهينة»، وهو ما أظهره تأثر العملة المحلية والبورصة كلما ارتفعت أسهم المعارضة، ثم هبوط الدولار فجأة حينما تتوالى الأخبار عن احتمالات بقاء تامر على رأس السلطة.
ورغم اعتبار ميشال تامر النتيجة نصراً له على الصعيد السياسي، يجمع المراقبون على أن تصويت البرلمان أخذ بالحسابات السياسية ولم يأخذ في اعتباراته أيّاً من المعطيات القانونية، وهو ما أظهرته آراء النواب الذين بدوا محرجين في ردّ التهم القضائية، مبرّرين دفاعهم عن تامر بأنه حرص على الاستقرار الاقتصادي، وما وصفوه بالإنجازات التنموية التي حققتها الحكومة الحالية.
لكن الارتدادات العملية لهذا التصويت قد تؤسّس لأخطر الأزمات السياسية التي ستواجهها البرازيل، إذ إن تواطؤ البرلمان لم يتخطّ القضاء فحسب، بل تجاوز الأرقام التي أظهرتها استطلاعات الرأي، والتي أشارت إلى هبوط شعبية تامر إلى ما دون 5%، وهي النسبة الأدنى في التاريخ البرازيلي الحديث.
أما في القراءة القانونية، فشبّهت مجموعة من المنظمات الحقوقية عملية التصويت بالانقلاب على المواثيق والأعراف البرازيلية، وكشفت مدى الازدواجية في التعاطي السياسي، إذ إن هذا البرلمان نفسه أقال رئيسة تحت مسمّى «جرم المسؤولية»، بالإشارة إلى الرئيسة المعزولة ديلما روسيف التي لم يثبت تورطها في أيّ جرم فساد، لكنه تجاوز اتهامات بيّنة وواضحة تدين الرئيس الحالي، ما يثير أسئلة ليس أقلها مدى نجاعة المؤسسات البرازيلية في حماية الدستور وضمان العدالة الاجتماعية والسياسية.
لعل ما نغّص فرحة تامر أثناء احتفاله بهزيمة المعارضة كان تصريح الرئيس اليميني السابق فرناندو كاردوسو، الذي انتقد تآمر البرلمان والتفافه حول ما سمّاها أقذر الحكومات في تاريخ البرازيل وأكثرها انغماساً في الفساد. تصريح جاء كالصاعقة، في وقت كان تامر يلقي فيه خطاب «النصر»، واعداً بمستقبل أفضل للبلاد. وتشير المعطيات إلى إمكانية تغيير في الخريطة السياسية المقبلة، إذ إن خطيئة البرلمان قد لا يمكن تجاوزها بسهولة، خاصة أن إسقاط القضاء أمام المصالح السياسية قد لا يستمر حتى نهاية عهد تامر.