مثّلت مشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في منتدى طلابي في مقاطعة فلاديمير أمس، للتحدث أمام الحضور عن سياسة بلادهم الخارجية ومقارباتها للمشاكل الدولية وحماية مصالحها، مناسبة للحديث عن «أهم المفاوضات والمحادثات وأصعبها»، التي شارك فيها أثناء توليه منصبه منذ عام 2004. وربما لم تكن مفاجئة إجابة لافروف عن السؤال الذي وُجِّه إليه بهذا الخصوص، قائلاً باختصار إنّها «المفاوضات التي تأتي بنتيجة».
لكن في تسجيل الفيديو الذي نشرته «روسيا اليوم»، بدا من يوصف بأنّه «تاليران روسيا»، في إشارة إلى الدبلوماسي الفرنسي الألمعي الذي عاصر مختلف الأنظمة المتعاقبة على فرنسا بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر، مرتاحاً في إجابته، فوسّع دائرتها بالإشارة إلى أنّه «في بعض المحادثات، تشعر بالهمة» حين ترى أنه «لم يبقَ إلا القليل، وتشعر بأنّ عليك أن تجد عبارة تسمح لشريكك بأن يتقبّل ما نريد أن نتوصل إليه».
هذه المقدمة أوصلت الرجل الذي يدير هيكلية مكوّنة من آلاف الموظفين، يتوزعون في مبنى الخارجية الروسية في موسكو وحدها على ألفي مكتب ضمن مبنى يزيد على عشرين طبقة، إلى الحديث عن الاتفاق النووي الإيراني بدرجة أولى. وقال إنّ «من بين المفاوضات التي أتت بنتيجة، كان ما فعلناه في مجال البرنامج النووي الإيراني»، مستدركاً: «للأسف، بدأ شركاؤنا الأميركيون يشككون فيه، برغم أنّ إدارة (الرئيس دونالد) ترامب أكدت أنّ إيران تلتزم كل ما يجب عليها وفق الاتفاق»، في إشارة إلى تصديق ترامب الأخير على التقرير الذي يُعرض عليه كل تسعين يوماً في شأن هذا الملف. ورأى لافروف أنّ «البعض في الإدارة الأميركية يرى أن هذه الاتفاقات خاطئة... ويشككون فيها».

أهم مفاوضات ومحادثات بالنسبة إلي هي التي تأتي بنتيجة

بدرجة ثانية، استحضر الدبلوماسي الذي بات معاصراً لكل «عهود فلاديمير بوتين» منذ بداية العقد الماضي، المحادثات الشهيرة التي أجراها في الأعوام الماضية مع نظيره الأميركي السابق جون كيري. وفي السياق، ذكّر بأنه «منذ نحو عام، استطعنا أن نتوصل في المحادثات مع جون كيري إلى الاتفاق على مقاربة للتسوية السورية»، معرباً عن اعتقاده بأنّ ذلك الحدث مثّل «اختراقاً حقيقياً، يضمن تناسق العمل بين قواتنا الجوية وقوات التحالف (الذي تقوده واشنطن)».
ولفت المسؤول الروسي الرفيع إلى أنّ «الشرط الوحيد المسجل في ذلك الاتفاق كان التزام الولايات المتحدة الفصل بين المعارضة التي يدعمونها عن الإرهابيين، وتحديداً جبهة النصرة». لكنه أضاف: «إنّهم بعد عقد هذا الاتفاق، لم يستطيعوا تنفيذ هذا الشرط، ولو وفوا بوعدهم لرأينا أنّ العملية السياسية في التسوية السورية قد تقدمت». وقال: «أخفقت الولايات المتحدة في تنفيذ هذا الشرط، ربما لأنّه كان في الإدارة الأميركية أشخاص يرفضون، بعكس جون كيري، الفصل بين المعارضة والإرهابيين».
لافروف الذي لا بدّ أن يمثّل أحد الوجوه الرئيسة لـ«عودة روسيا إلى الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي»، أرفق إجابته الطويلة بالإشارة أيضاً إلى أهمية «العديد من المحادثات بشأن ترسيم الحدود بيننا وبين الصين و(غيرها)... مع الصين استغرقت المحادثات عدة عقود، ومنذ عشر سنوات بنينا رابطة قوية بين البلدين، بما في ذلك في مجال السياسة الدولية».
وجدير بالذكر، أنّ الاستعراض المهم، رافقه في سياق آخر لا يقلّ أهمية حديث لافروف عن «مكانة وزير الخارجية الروسي الأسبق الراحل يفغيني بريماكوف، في السياسة الخارجية»، مشيراً إلى «حكمته، وبعد نظره، خاصة أنه قد بادر إلى صياغة مفهوم العالم المتعدد الأقطاب في دراساته وكتاباته».
(الأخبار)